Site icon IMLebanon

امتحان ما بعد النجاح في الانشاء

 

لبنان ينتقل من صدمة الاستقالة على مدى شهر الى الارتياح للعودة عنها في جلسة استثنائية لمجلس الوزراء بدعوة من الرئيس ميشال عون. وأبسط ما يؤكده الاخراج الدستوري والوطني والسياسي لبقاء الرئيس سعد الحريري وحكومته في السراي هو ثلاثة أمور: أولها ان الظروف التي سبقت ورافقت وتلت اعلان الاستقالة من الرياض صارت وراءنا. وثانيها ان أزمة الاستقالة، بصرف النظر عن ظروفها، مرتبطة بأزمة الخلل في التسوية السياسية، ولم تكن معالجتها ممكنة من دون البحث في تصحيح الخلل. وثالثها ان ما أمامنا هو امتحان عربي في القدرة على تطبيق ما أعدنا التزامه وتوسعنا في تفصيله تحت عنوان النأي بالنفس.

ذلك ان المباراة في الانشاء العربي انتهت بنجاح الى التفاهم على نصّ جيّد ومعبّر قوي: التزام الحكومة بكل مكوناتها السياسية النأي بنفسها عن أي نزاعات أو صراعات أو حروب أو عن الشؤون الداخلية للدول العربية حفاظا على علاقات لبنان السياسية والاقتصادية مع الأشقاء العرب. لكن التطبيق يتطلب ليس فقط ان نمتنع عن التدخل وان ينسحب كل طرف من أي دور يقوم به في حرب سوريا وحرب العراق وحرب اليمن وفي كل صراعات المحاور بل أيضا ان نقف جميعا في مواجهة أي طرف عربي أو اقليمي أو دولي يرفض النأي بنفسه عن التدخل في الشؤون الداخلية وحتى الخارجية للبنان.

والسؤال هو: هل هذا ما صرنا مقتنعين به وعازمين على ممارسته لحماية لبنان من العواصف التي تضرب المنطقة أم ان المشاركة في صراعات المنطقة والتحولات العنيفة فيها هي في أجندة بعض الأطراف شرط للدور في تقرير المصير اللبناني؟

 

والى أي حدّ نريد جميعا ان نترك لمجلس الوزراء صنع السياسات الخارجية وممارستها وان يتخلّى كل حزب وطائفة ومرجعية عن سياسته الخارجية الخاصة؟

كان مكيافيللي يقول ان الأغلبية تنظر اليك على أساس كيف تبدو، والقلّة تمتحن ما أنت عليه حقيقة. وما أكثر تلاميذ مكيافيللي في لبنان وحتى الذين تفوّقوا عليه في الدهاء ويحسبون أنفسهم أساتذته. فعلى مدى سنوات من التزام النأي بالنفس كنا نمارس إقحام النفس ونحاول تجميل الأمر الواقع لكي يرانا العالم على أساس كيف نبدو، لا على أساس ما نحن عليه فعلا. واليوم نسعى لتوحيد الصورة بالدمج بين ما نبدو عليه وبين ما نحن عليه حقيقة. وهذا امتحان يومي لأن القوى العربية والاقليمية والدولية ستضعنا تحت المجهر، ولأن سلامة لبنان واستقراره ومستقبله في الدقّ.

والتحدّي الكبير هو النجاح في الامتحان العملي بعد النجاح في الامتحان الخطّي.