IMLebanon

قوة لبنان في… عجزه

 

 

إبتكر الرئيس المؤسس لحزب «الكتائب اللبنانية» الشيخ بيار الجميِّل شعاراً هو أقرب إلى «الاستراتيجية» إذا ما تمت قراءته بعقل هادئ ووفق ما قصده مُطلقُه. كان الشيخ بيار يقول في شعاره: «قوة لبنان في ضعفه»، وكان يقصد به أنّ بين اسرائيل ولبنان اتفاقية هدنة منذ العام 1948، وأنّه ليس من مصلحة لبنان خرق هذه الهدنة، وأنّ ميزان القوى العسكري لا يميل لمصلحة لبنان على الإطلاق، وأنّ ضعفه هذا «حيَّده» عن الصراع الذي يمكن أن يكون مدمِّراً لبلدٍ صغير فتيّ الإستقلال.

 

هذا النهج جعل لبنان يعيش في عصرٍ ذهبي، في جزء من عهد الرئيس بشارة الخوري ثم عهد الرئيس كميل شمعون ثم عهد الرئيس فؤاد شهاب، ثم في جزء من عهد الرئيس شارل حلو… إلى أن قرَّر لبنان مكرَهاً أن يخرج عن «استراتيجية» قوة لبنان في ضعفه، والدخول في «استراتيجية» المواجهة.

 

عاش لبنان «ذهبية استراتيجية الضعف» قرابة ربع قرن، بين سنة الإستقلال، عام 1943، وسنة بدء التخلي عن السيادة عام 1969، تاريخ توقيع اتفاق القاهرة، الذي سمح لمنظمة التحرير الفلسطينية بأن تشاركه في سيادته. منذ ذلك التاريخ بدأت ثلاثية «الأرض والشعب والمقاومة» ولكن «المقاومة الفلسطينية»، وسقطت «استراتيجية الضعف» لتحل مكانها «فوضى القوة» ولاحقاً «الاستقواء».

 

في استراتيجية «قوة لبنان في ضعفه»، نَعِم لبنان بربعِ قرنٍ من الرفاهية والإزدهار: عملة وطنية من اقوى عملات دول الشرق الأوسط، قطاع مصرفي متين، مستشفيات، جامعات، سياحة ومصايف ومهرجانات.

 

مع حلول العام 1969 وشراكة منظمة التحرير الفلسطينية الدولة اللبنانية على سيادتها، خرج لبنان من «الضعف» إلى «الاستقواء» ولكن بعضلات منظمة التحرير الفلسطينية، شاع مصطلح «فتح لاند» في جنوب لبنان الذي بدأ يخرج شيئاً فشيئاً عن سيطرة الدولة اللبنانية، بالتزامن مع إسقاط «استراتيجية» قوة لبنان في ضعفه، وحلول استراتيجة «قوة لبنان في مقاومته»، فماذا كانت النتيجة؟ ربع قرن من الانهيارات، من العام 1975 حتى العام 2000.

 

لخبراء المقارنات، في أي ربع قرن كان لبنان في العصر الذهبي؟ في ربع قرن «قوة لبنان في ضعفه»؟ أم في ربع قرن «قوة لبنان في مقاومته»؟ الجواب لا يحتاج إلى كثير نقاش. لبنان في ربع القرن الثاني، في ذروة تقهقره، تحوَّل إلى استراتيجية «قوة لبنان في انهياره» أو في عجزه!

 

لبنان اليوم في قمة عجزه، مناشدات من جميع البيئات المجتمعية، بصوت واحد: أبعِدوا عنا كأس الحرب المرَّة. بعد نصف قرن ثبُت أنّ الشيخ بيار الجميل كان على حق، ومَن يشكّك لماذا لا يُجري استطلاعاً حول الفترة الذهبية للبنان، ومتى كانت؟