IMLebanon

قوّة التفاهم بين أوباما وبوتين… وما بعد بعد حلب

توقّفَ سياسيّون عند إشارة الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في خطابه أمس إلى معركة حلب والإنجازات الميدانية التي حقّقها الجيش السوري وحلفاؤه، مؤكّداً أنّ أمامها تداعيات تتجاوز الساحة السوريّة إلى الأوضاع والمشاريع الإقليمية.

وعلى الرغم من أنّ السيّد حسن نصرالله قد لمّحَ إلى أنّ الهزيمة التي منيَ بها المسلّحون في حلب أدّت إلى إسقاط «مشاريع إقليمية أمبراطورية»، في إشارة واضحة إلى المشروع الذي بشّر به رئيس وزراء تركيا السابق أحمد داود أوغلو، فإنّ هؤلاء السياسيين قرأوا في هذه الإشارة ما هو أبعد من ذلك، وراحوا يتحدّثون عمّا بعد بعد حلب، فإخراج المسلّحين من حلب يشكّل ضربة قاصمة لمشاريع تقسيم سوريا وبلدان المنطقة إلى أقاليم ذات صبغة طائفية أو مذهبية أو عِرقية، والأحلامُ بإقامة إمارات في شمال سوريا تشكّل ركيزةً لتقسيم هذا البلد، قد انهارت مع خروج حلب عن سيطرة الحالمين بهذه الإمارات.

ويضيف السياسيون إياهم أنّ الإنجازات الميدانية السريعة التي حقّقها الجيش السوري وحلفاؤه في الأحياء الشرقية من مدينة حلب وقطعَ طرقِ الإمداد عن المسلحين فيها، هي ثمرة مراجعةٍ بدأت في أنقرة قبَيل محاولة الانقلاب الأخيرة وتسارعَت بعدها، خصوصاً أنّ رئيس الوزراء التركي الجديد بن علي يلدريم قد أعلنَ أنّ بلاده حريصة على فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع كلّ دوَل الجوار.

وفي هذا الإطار كان الموقفان الروسي والإيراني بإدانة محاولة الانقلاب التركي منذ ساعاتها الأولى، فيما تلكَّأ حلفاء أنقرة الغربيون والأطلسيون عن هذه الإدانة ساعاتٍ عدة، ما قد يؤدّي إلى إعادة تموضع تركيا في موازين العلاقات الدولية، لتصبح أنقرة أكثر قرباً مِن موسكو وطهران، وهو ما سينعكس تغييراً جذرياً في الأوضاع الإقليمية والدولية.

ويَعتبر هؤلاء السياسيون أنّ اقترابَ أنقرة من موسكو هو أمرٌ لم يحصل منذ عقود، فتركيا كانت حجرَ الزاوية في كلّ المشاريع والأحلاف الغربية في المنطقة لمواجهة موسكو ونفوذها.

كذلك يرَون في ما جرى في حلب تعبيراً عن قوة التفاهم بين الرئيسين الاميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين، وهذا التفاهم كان وراء ضوء أخضر خفيّ سَمح للجيش السوري وحلفائه بأن يتقدّموا من حيث تمّ إيقافهم في شباط الماضي بسبب ضغط روسي كما قيل يومها، والذي كان هو نفسُه ثمرةَ ضغطٍ أميركي على موسكو.

ويتوقّع السياسيون أنفسُهم أنّه سيكون لهذا الأمر أيضاً انعكاسات على جبهات أخرى في سوريا وحتى في العراق، ما يمكّن أوباما مِن تقديم نفسِه عشية انتهاء ولايته على أنّه «بطل» إبعاد شبح الحرب مع إيران، و»بطل» إنهاء الإرهاب في موطنه الأساسي في سوريا والعراق.

وبهذا المعنى يرى بعض المحلّلين السياسيين أنّ ما جرى في حلب خلال الأيام القليلة المنصرمة هو مؤشّر إلى تطوّرات حاسمة ستَجري على غير جبهة من جبهات القتال بين الدولة السورية وحلفائها من جهة، وبين القوى المعارضة لها من جهة أخرى، فما مِن أمرٍ يساهم في تقوية أوباما وحزبه في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل بمقدار هزيمة واضحة للإرهاب ممثَّلاً بتنظيم «داعش» و»جبهة النصرة» وأخواتهما.

بعض السياسيين رأوا في هذا المناخ الجديد تفسيراً لِما حصَل في قمّة نواكشوط العربية، حيث غاب عنها رؤساء أساسيون، كذلك غاب الخطاب الحادّ الذي اتّسَمت به معظم بيانات جامعة الدول العربية في السنوات الخمس الماضية.

فلا تصويت على احتلال المعارضة لمقعدِ الدولة السورية في الجامعة، بل بيانٌ يدعو «الأشقّاء السوريين» إلى الحوار والحلّ السياسي، من دون الإشارة إلى تنحّي الرئيس بشّار الأسد، ولا تذكير بقرارات سابقة، ولا قرار يدعم التحالف في حربه اليمنية. وكان لافتاً أيضاً دعمُ القمّة لحكومة بغداد، ما أثارَ غضبَ بعض المعارضين لهذه الحكومة.

لكن ما كان الأكثرَ أهمّيةً في القمّة هو عدم الإشارة من قريب أو بعيد إلى تصنيف حزب الله بالإرهاب، على عكس بيان قمّة منظّمة التعاون الإسلامي الأخيرة في تركيا وبيانات وزراء الداخلية والخارجية العرب.

ويرى هؤلاء السياسيون أنّ الفضل في ذلك يعود إلى أمرين أساسيَين: الأوّل ما أعلنَه رئيس الحكومة تمام سلام عشية سفره إلى نواكشوط بأنّ حزب الله هو جزء من الدولة والشعب اللبنانيَين، ما أثار غضبَ بعض الإعلاميين الصقور الذين طالبوا باستقالته.

أمّا الأمر الثاني فهو الرفض الشعبي العربي من معظم التيارات لهذا التصنيف المرفوض في حقّ مقاومة هزَمت إسرائيل، وهو ما عبّرَت عنه مؤتمرات عربية انعقدَت في أكثر من عاصمة، وآخرها بيروت، حيث عبّرَ سياسيون من تيارات متعدّدة عن رفضهم تصنيفَ المقاومة بالإرهاب، على الرغم من أنّ لبعضِهم ملاحظات على سياسات حزب الله في هذه القضية أو تلك.