.. ومع بداية فصل الصيف، اندلعت حرب شرسة مفاجئة للبعض الغافل عن الحضيض الذي وصلنا اليه، ومتوقعة لمن راقب عن بعد الامور بروية وموضوعية. حرب بين المواطن الصامد في ربوع لبنان والمؤمن فيه وطنا نهائيا سرمديا.. والنفايات الناتجة عن صموده. حرب اخذت معها السياحة والصحة والاسترخاء، وحولت لبنان الاخضر الى مكب كبير لنفايات على مختلف انواعها… واستطاعت النفايات خلال يومين ان تحقق مكاسب استراتيجية مهمة باحتلالها لبنان من سواحله الجذابة الى جباله العصية وبان تنتشر في مدنه المكتظة بالناس والعباد، وقراه الخضراء ودساكره الهانئة، وان تكسب تعاطف الاعلام وان تتربع على مواقع التواصل الاجتماعي…
إنها حرب معروفة ومعلومة النتائج، كونها ستفضي الى فوز ساحق وكبير للنفايات على حساب المواطن اللبناني وصحته، وستقضي على ما تبقى من سمعة لبنان، في الداخل والخارج. كما سيكون من نتائجها الكشف النهائي عن عورات السلطات اللبنانية، التي ستفرض عليها هذه الحرب خلع آخر أوراق التين التي كانت تتستر بها وتقنعنا بأنها استطاعت على مدى السنوات الماضية ان تتصدى لهذه الآفة، ولو لقاء تكلفة عالية وسرقة تكاد تكون موصوفة.
ستربح النفايات الحرب حتما. فبعيدا عن المعالجات العملية المحقة والمطروحة منذ سنوات من قبل الخبراء وعلماء البيئة والجمعيات، وبعيداً عن حملات التوعية المقترحة لحث المواطنين على فرز النفايات من المصدر اي من المنزل والمؤسسات المنتجة لها، وبعيداً عن التفتيش عن مراكز لفرزها وتسبيخها وتحويلها الى مصدر رزق ومدماك اساسي في بناء اقتصاد متوازن وعادل، عبر الابتعاد عن الاقتصاد الريعي الذي ابتلينا به منذ انتهاء الحرب وتحويله الى اقتصاد منتج.. فإن هذه الحرب الضروس تؤكد مرة جديدة، وتكاد تكون نهائية، باننا فشلنا، وعن قصد، في بناء دولة قوية قادرة على ايجاد حلول عملية وعلمية دائمة لأزماتها. وفضلنا دولة تستبدل هذه الحلول بعمليات تجميل وترقيع مؤقتة سرعان ما ينفضح امرها مع اول عائق يصادفها.
لقد عملنا على تأسيس سلطة من كرتون تتحول مع الاستعمال الى نفايات يمكن إعادة تدويرها. ستربح الزبالة الحرب فهنالك حلف طبيعي واستراتيجي بينها وبين ادوات السلطة كونهما من مصدر واحد ومن اصل مشترك ومصيرهما مشترك. اما لبنان واللبنانيون فما عليهم الا الصبر وانتظار اعجوبة لن تأتي او الانتفاض على كل اشكال الزبالة.