Site icon IMLebanon

الأقوياء لا يتنازعون

وقف الكاتب روفائيل كاليس، في معهد الصحافيين الأجانب القريب من واشنطن، وقال أمام خمسين صحافيا من العالم الثالث، انه عائد من لبنان، البلد الذي لا تموت فيه الكلمة، ولا يُستشهد فيه الرأي، قبل رحيل الانسان، الذي ينطق به.

يومئذ، صفّق له الحاضرون بحرارة، وقالوا جميعاً ان لبنان تجتاحه الأزمات، وتعتصره النكبات، لكنه باقٍ، قوياً حيناً، وعصياً على الموت دائماً.

عندما أنهى روفائيل كاليس المدير السابق لجريدة الدايلي ستار البيروتية، هتف في وجه زملائه: لا تخافوا على وطن أعطى عالم الكلمة رجالاً كباراً من أمثال سعيد فريحه وكامل مروّة وجورج نقاش.

الآن تحدث الأعجوبات، ولا تتغيّر التكهنات.

لا أحد ينكر ان ما حدث الأحد الفائت في طرابلس، هو انقلاب على الواقع السائد.

من كان يصدّق ان الوزير أشرف ريفي، يمكن أن يجتاح العاصمة الثانية، ويفوز مرشحوه في الانتخابات البلدية بستة عشر عضواً مقابل ثمانية أعضاء لممثلي معظم زعامات العاصمة الثانية…

في آخر انتخابات نيابية، في عصر الرئيس الشهيد رفيق الحريري نصحوه بأن يتحالف مع زعماء آخرين في الفيحاء أبرزهم الرئيس نجيب ميقاتي، والتكتل الثلاثي الطرابلسي المؤلف من محمد الصفدي ومحمد كباره وموريس فاضل، ونجح بما لم يستطعه أحد من النواب.

بعد رحيله وترشح نجله سعد الحريري، كان أبرز شيء حققه سعد، هو انصاف الرجل الذي أعطى والده خلاصة عمره وجهاده نهاد المشنوق ورشحه وزيراً للداخلية، وكافأ صديق والده أشرف ريفي المدير العام السابق للأمن الداخلي، وسمّاه وزيراً للعدل.

إلاّ أن للموقف السياسي رهجة وانطباعات وآمالاً لا تختصر بمواقف.

عرضوا حقيبة العدل في حكومة تمام سلام، على نقيب محامي طرابلس السابق رشيد درباس، لكن ريفي أصرّ على وظيفة وزارة العدل، وكان له ما أراد.

بعد عدة أشهر، افترق العشّاق ولم يبتعدوا سياسياً ورأياً. لكنهم لم يعودوا واحداً. لا سعد الحريري طلب، ولا ريفي أصبح عضواً في تكتل المستقبل.

إلاّ أن للرأي حدوداً وأصولاً…

وجاءت الانتخابات البلدية، وكان لكل منهم حلفاء ومرشحون. نصحوا سعد الحريري بالتحالف مع معظم زعماء طرابلس، الميقاتي، ولو شلّحه رئاسة الحكومة، عندما كان داخلاً الى البيت الأبيض الأميركي لمقابلة الرئيس أوباما.

ونصحوه بالتحالف مع محمد الصفدي الرجل المعروف بنزاهته والاستقامة، ونصحوه أيضاً بالتحالف مع فيصل عمر كرامي الزعيم الذي لا يقهر في طرابلس وبوضع يده بيد الأحباش والجماعة الاسلامية، وهم جميعاً يمثلون تركيبة سياسية هجينة على الغالب.

***

بقي خارج السرب، الوزير المستقيل أشرف ريفي على رأس لائحة يقودها أحمد قمرالدين.

ويقال ان هناك من نصح تيار المستقبل باعطاء ريفي مرشحاً واحد، لكنه أدار ظهره للجميع، وخاض الانتخابات، واجتاح الحلفاء والأخصام وحصد ستة عشر عضواً، وترك ثمانية ل تيار المستقبل.

هل جاء فوز ريفي عنواناً لزعامة جديدة في فيحاء الشمال.

ليس المهم الجواب.

المهم ان أشرف ريفي وضع نفسه في مرتبة زعيم، لا مجرد رقم بين أرقام ترشحت أو تنافست.

هنا، يعود الناس، الى رائعة الكاتب روفائيل كاليس الذي قال لعشرات الصحافيين إن طرابلس مدينة لا تموت.

هل يمكن تصفية الخلاف بين سعد الحريري وأشرف ريفي؟

من دار الفتوى في بيروت، مدّ أشرف ريفي، أشرف تحيّة الى سعد الحريري، لأن الأقوياء يختلفون ولا يتنازعون!!