بعيداً عن الإعلام تنشط الإتصالات على مستوى كبار المسؤولين والقادة في البلاد بهدف حلّ الخلاف في وجهات النظر بين قصر بعبدا وعين التينة حول مرسوم إعطاء الأقدمية لدورة الضبّاط لسنة1994 . فبعد كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من بكركي يوم الإثنين الفائت، ثمّ ردّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي خلال لقائه الإعلاميين بعد يوم أي الثلاثاء، فإنّ حلّ الخلاف بين الرجلين يكون بالعودة الى طاولة الحوار والنقاش والمصارحة حول هذا الموضوع.
فإذا كان ثمّة رغبة لدى جميع الأطراف في البلاد، على ما ذكرت أوساط سياسية عليمة، بتعديل الميثاق الوطني وإشراك الطائفة الشيعية بتوقيع المراسيم فلا بدّ من الجلوس الى طاولة الحوار ومناقشة هذا الأمر. فوزراء المالية السابقين لم يكونوا يوقّعون على مثل هذه المراسيم طوال عهود رؤساء الجمهورية السابقين المنتخبين ما بعد اتفاق الطائف أي الياس الهرواي وإميل لحود وميشال سليمان، فهل يُمكن اعتبار كلّ المراسيم التي وقّعوا عليها باطلة؟!. كما أنّ الوزراء السابقين لم يكونوا من الطائفة الشيعية بل من طوائف أخرى سنيّة ومارونية مثل فؤاد السنيورة، وريّا الحسن، ومحمد شطح وجورج قرم وجهاد أزعور ودميانوس قطّار وسواهم.
أمّا إذا كانت المعادلة اليوم أن يجري التوقيع على المراسيم كافة بالمناصفة بين المذاهب المارونية والسنية والشيعية، على ما عقّبت الاوساط، فإنّ الأمر قد يفتح الباب أمام مطالبة الأرثوذكس، والدروز لاحقاً بالتوقيع عليها أيضاً. كذلك فإنّ الباب قد يُفتح مجدّداً على «المؤتمر التأسيسي» الذي كان قد أقفل نهائياً بعد انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، على أساس أنّه كان الحلّ الأنسب لسدّ الشغور الرئاسي.
وبرأي الاوساط، إنّ هذا الأمر لا يُحتّم حدوث مشكلة كبيرة بين الرجلين بسبب المرسوم المذكور أو أي مرسوم آخر لا يستوجب توقيع وزير المالية بل الوزير المختصّ، سيما وأنّه لا يتعدّى الخلاف في وجهات النظر. فالرئيس عون كما برّي حريصين على حسن العلاقة بينهما، على ما شدّدت الاوساط، وإنّ مسألة المظلومية الواقعة على هؤلاء الضبّاط قد حُلّت بإعطائهم سنّة أقدمية وفق المرسوم الذي وقّعه عون والحريري ووزير الدفاع والذي لا يحتاج الى توقيع الوزير الإضافي أي وزير المالية، لأنّه ليس مرسوماً جوهرياً بل عادياً.
وإذا كانت المادة 54 من الدستور اللبناني (المعدّلة بالقانون الدستوري الصادر في 21 ـ 9- 1990 والتي نعاها الرئيس برّي وتنصّ على أنّ «مقرّرات رئيس الجمهورية يجب أن يشترك معه في التوقيع عليها رئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصّون ما خلا مرسوم تسمية رئيس الحكومة ومرسوم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة. أمّا إصدار القوانين فيشترك معه في التوقيع عليه رئيس الحكومة»، لم تُطبّق خلال العقود الماضية، فإنّ عدم تطبيقها أصبح عُرفاً. وغالباً ما تتحكّم الأعراف بلبنان أكثر من القوانين، على ما لفتت الاوساط، كما أنّه يتمّ العمل ببعض النصوص الدستورية رغم وجود قوانين متعارضة معها. فرئيس الحكومة، على سبيل المثال، هو الذي يدعو مجلس الوزراء للانعقاد في حين أنّ القانون لا يزال يعطي هذه الصلاحية لرئيس الجمهورية، فهل يحصل الخلاف بين عون ورئيس الحكومة سعد الحريري حول هذا الأمر؟. كما أنّ قرارات مجلس الوزراء نافذة إذا ما أكّد عليها بعد ردّها من قبل رئيس الجمهورية وامتنع عن إصدارها، وفقاً للنصّ الدستوري واجتهاد مجلس شورى الدولة، بينما تعطي القوانين رئيس الجمهورية دوراً أساسيّاً في إقرارها وإصدارها.
كذلك ثمّة مفهوم جديد يجب أن يُعطى لعبارة «مقرّرات رئيس الجمهورية» التي سادت بعد اتفاق الطائف، على ما يرى بعض الخبراء الحقوقيين، وبالتالي في ضرورة التمييز بين ثلاثة أنواع من المراسيم، لا سيما بعد أن أصبحت السلطة الإجرائية بمناطة بمجلس الوزراء بعد اتفاق الطائف:
1»- إنّ المراسيم الصادرة عن رئيس الجمهورية في إطار الصلاحيات الدستورية المناطة به بموجب بعض مواد الدستور والتي هي «مقرّرات»، تحتاج الى التوقيع الوزاري الإضافي.
2- المراسيم الصادرة عن رئيس الجمهورية بصفته التحكيمية وبصفته رئيس الدولة (مرسوم إصدار القانون ومرسوم ردّ القانون)، وكذلك مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء ومرسوم قبول استقالة الحكومة، لا تحتاج الى التوقيع الوزاري الإضافي.
3- المراسيم الإعلانية الصادرة لوضع غالبية مقرّرات مجلس الوزراء موضع التنفيذ، هذه أيضاً لا تحتاج الى التوقيع الوزاري الإضافي… ولما كانت هذه المراسيم إعلانية وليست إنشائية لأنها لا تُنشىء الحق أو الموضوع الذي قرّره مجلس الوزراء بل تُعلن عنه فقط فهي لا تحتاج الى التوقيع الوزاري الإضافي.
ومن هنا، يُمكن القول إنّ هذه الفئة من المراسيم ليست جوهرية لصحة ونفاذ قرار مجلس الوزراء، فهي مجرد وسيلة للإعلان عن القرار وتبليغه الى الجهات المختصة. لذلك، فإن صياغتها وحيثياتها يجب أن تعدّل ليحذف منها كل ما يفيد أن رئيس الجمهورية يمارس إحدى الصلاحيات المناطة به بموجب الدستور.
وأوضحت الأوساط نفسها أنّ ممارسة رئيس الجمهورية لصلاحياته ودوره في القرار السياسي لا يرتبط بالنصوص فقط، لا سيما في ظل المعطيات المعقّدة الخاصة بتركيبة المجتمع اللبناني وتناقضاته الطائفية والمذهبية، بل بكلّ ما يرتبط بدوره كحاكم للبلاد وبالتوازنات والتحالفات السياسية المتغيّرة بشكل مستمرّ، فضلاً عن التسوية السياسية التي أوصلت البلاد الى ما هو عليه الآن من أمن واستقرار وهدوء. ولهذا، فإنّ رئيس الجمهورية يلعب هنا دور الحكم، وعلى أساس ذلك يقرّر التوقيع على مرسوم ما أم لا.
أمّا إذا اتخذ القرار باللجوء الى القضاء، فلا مانع لدى الرئيس عون، على ما ذكرت الاوساط، علماً أنّ برّي لن يحتكم اليه، على ما أعلن سيما وأنّ وزير العدل سليم جريصاتي محسوب على رئيس الجمهورية. ولهذا، فإنّ الأمور بين الرجلين ليست سائرة نحو القضاء، وهي لا تتعدّى كونها تباين في وجهات النظر يُعمل على حلحلته سريعاً لمصلحة المعنيين والمصلحة العليا للبلاد معاً.