IMLebanon

آلية إدارة صلاحيات رئيس الجمهورية بعد انتقالها إلى الحكومة إثر الشغور

 

إنّ الدستور اللبناني نقل صلاحيات الرئاسة إلى «مجلس الوزراء» كهيئة دستورية جماعية وليس كمجموعة أفراد هم الوزراء الذين يتألف منهم مجلس الوزراء، حيث تنص المادة 62 من الدستور: «في حال خلو سدّة الرئاسة لأي علّة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء». خصوصاً أنه بعد التعديلات الدستورية التي أقرّت باتفاق الطائف أصبح رئيس الحكومة رئيساً لمجلس الوزراء، ولم يعد هنالك من مبرّر وجودي لشيء اسمه المجلس الوزاري، الذي كان سائداً حينها قبل الطائف بموجب العرف الدستوري، والذي كان عبارة عن اجتماع بين أعضاء الوزارة برئاسة رئيس الحكومة وليس رئيس الجمهورية، ولم يكن له صفة التقرير في أمر معين، بل كان دوره يقتصر على التحضير لإعداد جدول أعمال مجلس الوزراء، أو لمواجهة أمور طارئة.

كما أن مجلس شورى الدولة كان قد قضى في القرار رقم 74، تاريخ 16/11/1995 والقرار رقم 164 تاريخ 19/12/1996 بعدم وجوب أن تحظى المراسيم الصادرة عن الحكومة بتوقيع كافة الوزراء، لأنّ توقيع جميع الأعضاء عليها يعدّ ضرباً لقاعدة الأكثريّة والأقليّة في المجلس، ويساهم في تقييد عمل مجلس الوزراء.

هذا عدا أنّ الصلاحيات الإضافية لمجلس الوزراء والمتعلقة بالصلاحيات الرئاسية يجب أن لا تُفقد هذا المجلس ولا تنفي عنه، صفته الأساسية كمؤسسة جماعية أناط بها الدستور السلطة الإجرائية وعيّن لها مهامها وحدّد كيّفية قيامها بهذه المهام. كما أنّ الممارسة الصحيحة لصلاحيات رئيس الجمهورية من قبل مجلس الوزراء، يجب أن تنطلق بالدرجة الأولى، من قاعدة عدم الخلط بين مُمارسة مجلس الوزراء لهذه الصلاحيات من جهة، وبين عمل مجلس الوزراء كمؤسسة دستورية من جهة أخرى، الذي يجب أن يبقى كما هو من دون تعديل، سواء أكان رئيس الجمهورية موجوداً أم كان منصبه شاغراً.

ومن هنا، يرى العلّامة هانس كلسن أهمية اعتماد مبدأ الأغلبية في المداولات، كقاعدة شرعية، ليس لأنها تشكّل قيمة بحد ذاتها، ولكن، لعدم وجود معيار موضوعي وعقلاني أفضل منها.

La règle de majorité est légitime, non parce qu`elle constitue une valeur par elle-même, mais parce que, à défaut d`une norme objectivement et rationnellement la meilleure que la délibération devrait poursuivre. (V. H. Kelsen, La démocratie, sa nature, sa valeur, trad. de l`all. par Charles Eisenmann, Paris Librairie générale du recueil Sirey, 1932, p. 8-9)

ناهيك عن أنّ ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية في حالة الشغور، ينبغي أن لا تؤدي إلى إعطاء الوكيل من الصلاحيات أكثر مما للأصيل في الدستور. وبعبارة أوضح، إنّ القول بوجوب اعتماد آلية التوافق الإلزامي أي الإجماع وموافقة جميع أعضاء الحكومة على جدول الأعمال ومقرّرات مجلس الوزراء والمراسيم، فيها خروج عن أحكام الدستور، لأنها لا تُعطِب المادة 65 من الدستور فقط، وإنما المادة 56 منه أيضاً التي تقضي بأنّ رئيس الجمهورية :«يصدر المراسيم ويطلب نشرها، وله حق الطلب إلى مجلس الوزراء إعادة النظر في أي قرار من القرارات التي يتخذها المجلس خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إيداعه رئاسة الجمهورية. وإذا أصرّ مجلس الوزراء على القرار المتخذ أو انقضت المهلة دون إصدار المرسوم أو إعادته يعتبر القرار أو المرسوم نافذاً حكماً ووجب نشره» إذ تصبح صلاحية الإصدار بين يدّي الوزير أقوى منها بين يدي صاحب الصلاحية الأصيل، وهو رئيس الجمهورية، فرئيس الجمهورية يستطيع ردّ المرسوم في مهلة 15 يوماً ولكن يمكن أن يصرّ مجلس الوزراء على المرسوم فيصبح نافذاً حكماً، ولكن اعتماد آلية الإجماع في مجلس الوزراء من شأنه يمنح الوزير صلاحيّة لم تُعط لرئيس الجمهورية عندما يمتنع الوزير عن توقيع مرسوم الإصدار، فلا يصدر إذ ذاك المرسوم أبداً. كما أنّ إعطاء كل وزير بغياب الرئيس، حق الاعتراض على أحد مواضيع جدول الأعمال، هو بمثابة إشراكه في وضع جدول الأعمال، أي إعطاء كلّ وزير أكثر من الصلاحيات الممنوحة في الدستور لرئيس الجمهورية.

من ناحية أخرى، فإنّ اعتماد آلية الإجماع في مجلس الوزراء، من شأنه أن يعطّل إصدار القوانين، إذ تنص المادة 57 من الدستور على ما يلي: «لرئيس الجمهورية بعد اطلاع مجلس الوزراء، حق طلب إعادة النظر في القانون مرّة واحدة ضمن المهلة المحدّدة لإصداره ولا يجوز أن يرفض طلبه. وعندما يستعمل الرئيس حقه هذا يصبح في حّل من إصدار القانون إلى أن يوافق عليه المجلس بعد مناقشة أخرى في شأنه، وإقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً». وبالتالي هل يُعقل في حال اعتماد قاعدة الإجماع في مجلس الوزراء أن يُمنح كل وزير وهم كثر، صلاحية إيقاف إصدار القوانين لإعادة النظر بها، وإلزام مجلس النواب بإعادة تبنّيها بالأغلبية المطلقة؟ ولهذا ترى بأنّ رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي، كان قد حاول إقناع رئيس الحكومة الأسبق الأستاذ تمام سلام، بوجوب اعتماد صيغة مرنة لتسيير عمل الحكومة، تتلخّص في إصدار قرارات مجلس الوزراء بـ«النصف زائد واحد» أو «بأكثرية الثلثين»، وفقاً لطبيعة الموضوع، كما كان يحصل خلال وجود رئيس الجمهورية. وأكّد أن حكومة الرئيس الأستاذ فؤاد السنيورة كانت، في ظل غياب رئيس الجمهورية، تُصدر قراراتها بأكثرية ثلثي الحاضرين، ولم تعتمد صيغة الإجماع. ولذلك ترى بأنه في 2/7/2015 عندما بدت أمارات الابتعاد عن آلية التوافق الإلزامي. وافق مجلس الوزراء، رغم مُعارضة خمسة وزراء، على تخصيص مبلغ 21 مليون دولار أميركي لدعم فرق كلفة تصدير المنتجات الزراعية والصناعية إلى الدول العربية، بعد إقفال طرق الشحن البريّ عبر سوريا. وقال رئيس الحكومة الأستاذ تمام سلام حينها رداً على استفسار جريدة «اللواء» الغرّاء الصادرة بتاريخ 3/7/2015: «إنّ معارضة خمسة وزراء لا تُلغي موافقة ثمانية عشر وزيراً صوّتوا، إلى جانب قرار دعم الصادرات، وساروا بجدول أعمال مجلس الوزراء». وفي الجلسة التي حضرها 23 وزيراً، بغياب وزير، لم يوقّع مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب إلا 12 وزيراً. وفي 25/8/2015 عُقدت جلسة استثنائية لمجلس الوزراء لتمرير توقيع نحو 70 مرسوماً، فانسحب خمسة وزراء من الجلسة، وفي 27/8/2015 اجتمع مجلس الوزراء بغياب ستة وزراء، وفي 9/9/2015 عُقدت جلسة استثنائية لمجلس الوزراء لمناقشة أزمة النفايات بغياب ثلاثة وزراء، وتمّ إقرار خطة الوزير أكرم شهيّب لمُعالجة أزمة النفايات.

صفوة القول، إنّ الحلّ الذي يعتمد على أن يشترك كل الوزراء في ممارسة صلاحيات الرئيس لا يمكن أن يعتبر عُرفاً في لبنان لأنه لم يتكرّر، ولأنه لم تتحقّق أبداً أي قناعة بطابعه الإلزامي، ولأنه يشكل خرقاً للدستور الذي أناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء كهيئة جماعية، ولأنه يعطّل عمل هذا المجلس ويمكّن الأحزاب السياسية الممثلة في الحكومة من إيقاع البلد في الفراغ الدستوري متى لم يحصلوا على حصة مهمّة من مقررات مجلس الوزراء، مما ينال من سلامة المؤسسات والإدارات العامة، ويحرم جميع المواطنين من أبسط حقوقهم الدستورية، كحقهم بالطبابة والاستشفاء. أما امتناع بعض الوزراء عن المشاركة في جلسات مجلس الوزراء المنعقد في حالة الضرورة فإنه لا يعطّل الميثاقيّة المنصوص عليها في البند «ي» من مقدّمة الدستور، لأنّها لا تؤدي إلى انتهاك أيّ حقّ من حقوق الطوائف المكفولة في الدستور.