Site icon IMLebanon

مأزق المحور: خسارة مِظلّة الأمان باستقالة الحريري!

 

 

الشارع يُصيب مشروعية باسيل ويُضعِف الأوهام بثنائية شيعية – مارونية

 

يمكن قراءة إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري استقالة حكومته من دون تأمين التوافق مع القوى الرئيسية على تأليف حكومة جديدة على أنها إعلان لانتهاء التسوية الرئاسية التي أتت بميشال عون رئيساً للجمهورية والحريري رئيساً للحكومات في هذا العهد. هي أولى الاستنتاجات، التي تدفع إلى السؤال بقوة عما إذا كان قد اتُخذ قرار بالانقلاب على التسوية. فالحريري منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية الواسعة في البلاد سعى إلى الخروج من المأزق بدفع شركائه الى إقرار الورقة الاقتصادية التي لم تُهدِّئ الشارع المنتفض على التركيبة الحاكمة، وسعى إلى تأمين توافق بين القوى الرئيسية على تأليف حكومة جديدة لتشكيل صدمة إيجابية بعدما بات من الصعب ترميم الحكومة القائمة أو إعادة تأهيلها وبث الروح بها، خصوصاً في ظل الثقة المفقودة داخلياً بين منظومة الحكم والمنتفضين عليها وعلى أدائها، وفي مقدمها الحكومة.

 

خرج سريعاً رد أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله الرافض لاستقالة الحكومة أولاً، والرافض ثانياً لطروحات حكومة اختصاصيين. فبالنسبة إليه، فإن حكومة التكنوقراط ستفضي إلى مزيد من انكشاف العهد الذي قرأ في ترنحه استهدافاً له. فعهد عون يُشكّل الانتصار السياسي للحزب ولمحوره والذي توَّجه بقانون انتخاب أمَّن له ولحلفائه أكثرية نيابية.  أمسك «الحزب» بالبلاد من ضمن الأطر الدستورية والقانونية والديموقراطية بعدما كان يُمسك بها بفائض قوة سلاحه. ويُشكّل رئيس «التيار العوني» وزير الخارجية جبران باسيل عنوان العهد وصوته وممثله واستمرارية للتفاهم بين «الحزب» و«التيار». وبالتالي، فإن خروج باسيل من المشهد الوزاري يعتبر انتكاسة سياسية إضافية تضاف إلى انتكاساته، والتي عبّر الشارع من خلال الشعارات المناهضة لشخصه عن حجم الاستياء واللامقبولية واللاثقة به وبوجوده في عداد الطاقم الحكومي.

 

أصاب الشارع مشروعية باسيل في الصميم، وهو الذي يُقدّم نفسه على أنه رئيس أكبر كتلة نيابية وأكبر حزب مسيحي وصاحب مقولة «الرئيس القوي واسترجاع حقوق المسيحيين». ظهّرت التظاهرات في المناطق المسيحية مزاج مختلف عن «أطروحة باسيل» وخياراته السياسية والاستراتيجية. بدا أن حراك الشارع المسيحي يُضعف كل الأوهام بثنائية شيعية – مارونية يُجسّدها حلف «حزب الله» – عون وتالياً باسيل، وقدرته على الحكم، من خارج التوازنات التي تقوم عليها البلاد، وتؤمن ديمومتها. هذا الواقع لا يمكن لـ «حزب الله» أن يُسلم به بسهولة، ذلك أنه يعني سقوط الشريك الماروني الذي أسهم مساهمة مباشرة في تكبير حجمه كممثل للمسيحيين بغية إظهار مشروعية الغطاء السياسي الذي وفَّره للحزب في أدواره العابرة للحدود ومشروعه السياسي، من جهة، وفي إلحاق لبنان، من جهة ثانية، على المستوى الاستراتيجي بالمحور الإيراني خارج موقعه العربي الطبيعي.

 

لم يكن أحد يتوقع أن «انتفاضة» أو «ثورة شعبية» ستهبّ في لبنان بين ليلة وضحاها، وستهز المكتسبات التي يعتقد «حزب الله» أنه نجح في تحقيقها، والتي كان يعمل حليفه باسيل، لاعتبارات طموحاته الرئاسية، على ترسيخها بفتح القنوات السياسية رسمياً مع سوريا من بوابة النازحين السوريين وحمل لواء إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية والمغالاة في التنكر للانتماء العربي عبر الترويج لانتماء مشرقي.

 

يقرأ «حزب الله» جيداً المسار الذي ستذهب إليه البلاد، بعد «الحراك الشعبي» الذي خرج بسبب الضيق المالي والمعيشي وتفشي الفساد وانهيار الاقتصاد. يُدرك أن ما أدى إلى انفجار الشارع بعيداً عن الاصطفافات الطائفية أو المذهبية أو المناطقية هو انسداد أفق المستقبل لحياتهم. هؤلاء ينتمون إلى ثقافة أخرى، حوّلوا التعبير عن الغضب إلى مظاهر فرح وحب الحياة. يريدون عودة لبنانهم عن الانحراف الذي حصل والذي يدفع أثمانه باهظاً. يدرك «حزب الله» أن الطريق في نهايتها ستقود إلى الخلل في التوازنات الذي أحدثه بسيطرته على البلاد، ولا سيما أن أي دعم عربي ودولي للبنان بات مشروطاً ليس فقط بحزمة من الإصلاحات المطلوبة، بل بالتأكيد على أهمية استعادة البلاد لتوازنها السياسي المفقود واستعادة الدولة لدورها على حساب الدويلة. ويُدرك أن ما يعاني منه «الحزب» من عقوبات أميركية وتجفيف لشبكاته المالية وتجارته غير المشروعة في لبنان والخارج، وما يتعرض له من ضغوطات سيُصيب حلفاءه عاجلاً أم آجلاً في إطار المواجهة المفتوحة مع إيران وأذرعها في المنطقة.

 

قد يكون من الصعب اليوم التكهن بما قد ترسو عليه الأمور داخلياً. في المعطيات، أن الحريري سمع بوضوح أنه إذا استقال، فإنه سيتم العمل على الإتيان برئيس آخر. الأكيد أن الحريري لم يستقل على وقع اتفاق مسبق مع عون و«حزب الله» حول حكومة جديدة، بل في ظل الوصول إلى طريق مسدود حول تسوية تعطي المتظاهرين في الشارع إشارات إيجابية يقابلونها بإيجابية فتح الطرق بما يسمح بعودة الحياة إلى طبيعتها في البلاد، وتؤسس لبناء مسار جديد من الثقة على مستوى الداخل والخارج. وهو قرَّر الاستقالة ليل الاثنين، وجاءت «غزوة الشبيحة» أمس على المتظاهرين ما بين رسالة ضغط ورسالة ردّ، فيما كانت تجري محاولات لثنيه عنها.

 

لا شك أن الأيام المقبلة ستُحدد المسار للمرحلة المقبلة، وما إذا كان الاتجاه القائم لدى عون – «حزب الله» يذهب في اتجاه تأليف حكومة سياسية من ضمن تفاهم مع الحريري يُعيد ترميم التسوية معه أو أنها ستكون حكومة خارجه، وهل أن حكومة من دون الغطاء السني الوازن لكتلة الحريري قادرة على تأمين الاستقرار الداخلي وعلى التصدي لعمق الأزمة وتداعياتها وعلى اكتساب ثقة المجتمعين العربي والدولي الذي ثمة مخاوف من أن يكون لبنان أصبح كلياً، أو على وشك أن يصبح، خارج مظلة الأمان التي كانا يُشكلانها!