كان للبنان حضور فاعل في المؤتمر الإسلامي العالمي: “الإسلام ومحاربة الإرهاب” الذي عقد برعاية العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ممثلاً بالأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكّة حيث مقر “رابطة العالم الاسلامي” صاحبة الدعوة الى المؤتمر، وكانت مشاركة لبنان من خلال مرجعيات دينية ووجوه فكرية وحقوقية أبرزها مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي ترأس الجلسة الأولى تحت عنوان مفهوم الإرهاب وتعريفه من خلال الرؤية الشرعية واستخدام الدين مظلة للإرهاب، والمفتي السابق الشيخ محمد رشيد قباني بصفته عضواً في المجلس الأعلى للرابطة. وقد اتسم المؤتمر هذه السنة بأهمية خاصة، نظراً الى التطورات الدراماتيكية المتسارعة التي تعيشها المنطقة والعالم نتيجة بروز تجمعات مسلحة تحت شعارات إسلامية وترتكب جرائم متنوعة متلطية وراء تلك الشعارات.
ولبنان معني بالتأكيد، كما سائر دول المنطقة بمكافحة الإرهاب، ومستهدف من خلال اعتداءات تعرض لها ولا يزال منذ سنوات، بدءاً بما عرف بجماعة “فتح الاسلام” التي هبطت فجأة على مخيم نهر البارد في الشمال واعتدت على الجيش!
وكان للمشاركة اللبنانية في أكثر من لجنة في المؤتمر تأثير واضح، ومن المشاركين محمد السماك الأمين العام لـ”القمة الروحية” وعضو “لجنة الحوار الاسلامي – المسيحي” والمحامي عمر زين أمين سر اتحاد المحامين العرب، ورضوان السيد رئيس المعهد العالي للدراسات الإسلامية في لبنان.
ولعل أهم ما في المؤتمر الذي شاركت فيه أيضاً شخصيات من كل أنحاء العالم ومن ضمنها رؤساء جمهورية سابقون ووزراء عدل وأوقاف ورؤساء جامعات، وبالتأكيد الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد محمد الطيب، والمفتي العام للمملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ، كان ذلك التلاقي عند فهم واحد للإرهاب من جهة، والاجماع على مكافحته بكل الوسائل، من جهة أخرى، من خلال خطوات عملية تم التفاهم عليها، كما كان هناك إجماع على أن الدين الإسلامي الذي تتلطى وراءه تلك الجماعات، هو المستهدف أولاً وأخيراً، وعلى “ضرورة تصدي العلماء والمثقفين لآفة الارهاب بكل أنواعه وأشكاله وصوره” كما جاء في كلمة راعي المؤتمر الملك سلمان، والتي أكد فيها “مضي المملكة في التصدي للإرهاب وأتباعه ودعم الجهود الدولية في القضاء عليه”.
وقد تقاطعت المداخلات وأوراق العمل حول أهداف الإرهاب ومصادره، عند مواقف بدت آثارها واضحة في البيان الختامي، ومنها:
تشويه صورة الإسلام في العالم وترويج الصورة النمطية التي تلصق الإرهاب والعنف به، وتشكيك بعض المسلمين في الشريعة الاسلامية وصلاحيتها في هذا العصر واخفاء مقاصدها والبعد عن روحها من خلال تقديم النموذج الخاطئ في تطبيق بعض أحكامها، وتراجع ثقة بعض أبناء المسلمين في دينهم وقيمه وسماحته وصرفهم عن حقائقه وعن العمل بأحكامه، وجعلهم فريسة للتيارات الهدامة، وإضعاف موقف المسلمين في المطالبة بنيل حقوقهم ونصرة قضاياهم وتحويلهم من ضحايا للظلم يتعاطف العالم معهم، الى مجرمين ومدانين بعدما ألصقت بهم تهمة الإرهاب، وإشعال الفتن الطائفية وإذكاء العداوة بين المسلمين وإغراقهم في صراع وتفتيت دولهم الى دويلات طائفية وعرقية متناحرة تنشغل بصراعاتها بعيداً عن المصالح الوطنية العليا للأمة ومشروعها الحضاري. كل ذلك كان في سياق تشخيص أهداف الجماعات المسلحة، وآخر تسمياتها “داعش” و”النصرة” وما شابه، وأما في الخطوات العملية، فتقول أوساط متابعة لأعمال المؤتمر والخطوات التي ستليه انه تم التفاهم على: “وضع خطة استراتيجية متكاملة للوقاية من الارهاب بكل أنواعه والاستفادة من تجربة المملكة العربية السعودية في هذا الشأن والتعاون مع المجتمع الدولي في مجال مكافحته، وإنشاء مراكز بحوث متخصصة في مكافحة الإرهاب تقوم بجمع المعلومات عن الأفعال الإرهابية وتحليلها والبحث عن مصادرها الحقيقية، والوقوف على الأسباب الحقيقية المفضية الى هذا الانحراف.
ومن الخطوات العملية القريبة، تقول الأوساط نفسها، إنه تم التفاهم على تشكيل وفود من العلماء والمتخصصين لزيارة البلدان المتضررة من الإرهاب لشرح الرؤية الاسلامية في علاج هذه الظاهرة وأهدافها الخبيثة، والتعاون مع الجامعات الاسلامية ومراكز البحوث من أجل ضبط المفاهيم الملتبسة، وإنشاء هيئة عالمية لمكافحة الإرهاب تابعة لرابطة العالم الاسلامي تتولى دراسة الإرهاب وتحليل دوافعه وأسبابه ونشر الدراسات البحثية حوله، وعقد لقاء عالمي يضم مختلف الهيئات الدينية والمؤسسات الفكرية والشخصيات المتخصصة من مسلمين وغير مسلمين، لبيان موقف الاسلام من الإرهاب وجهود المسلمين في التصدي له ومجالات التعاون بينهم وبين غيرهم في ذلك.
وأخيراً، في ضوء هذه المواقف لأعلى المرجعيات الإسلامية في العالم من الإرهاب، أي إسلام هو ذاك الذي تتلطى وراءه الجماعات المسلحة المستحدثة، من يصنعها ومن يستفيد من ممارساتها الوحشية؟؟