حضور الحريري توّج عوامل الحاجة إلى التوازن الحوار في إطاره الواقعي منعاً للانزلاق الكامل
خرج الاحتفال بالذكرى العاشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري هذه السنة الى اطار اوسع من الطابع المعتاد لهذه الذكرى السنوية. فثمة دفع في غاية الأهمية في انطلاق عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وبشهادات قريبين من الحريري اعادت وضع الاغتيال في اطاره الصحيح بعد محاولات ومساعي تشويهية عدة. وثمة دفع في مواقف دولية اعادت تأكيد مبدأ العدالة وعدم التسامح مع الاغتيال على غرار موقف الامين العام للامم المتحدة بان كي – مون او اخرى كموقف وزير الخارجية الاميركي جون كيري بعيداً من بيان تقليدي للادارة او للخارجية الاميركية حض فيها على إنهاء مسألة الشغور الرئاسي وقال: “يجب عدم الخطأ: لا تبرير لبقاء سلاح في يد ميليشيا او مجموعة ارهابية لا تستجيب طلب لبنان بل الحكومات الاجنبية في دمشق وطهران”، في ما اعتبره مراقبون العامل الابرز لتداعيات الصراع الذي انطلق بعد اغتيال الحريري والمدى الذي يتجه اليه هذا الصراع بعد عشر سنوات على الاغتيال. ولم تكن قليلة حجم التعليقات الداخلية والخارجية على غياب الحريري في ضوء الأبعاد الخطيرة التي آلت اليها المنطقة بعدما كان اغتياله المحفز الذي اطلق تداعيات خطيرة في كل الاتجاهات، وقد اكتسب مشروعه واعتداله اهمية وقيمة كبيرتين تبعا لذلك.
الدفع الأهم الذي احتاجت اليه المناسبة كان حضور الرئيس سعد الحريري من حيث افتقاد الساحة الداخلية وجمهوره على الاخص له في مواجهة مجموعة من التحديات بات غيابه يتسبب بارباكات ازاءها. فالكلام كثير حول انقسامات داخلية من ضمن تياره وحول آراء متناقضة في التعاطي مع المسألة الواحدة وعدم وحدة في الموقف ترجمها اخيرا الحادث الذي فجره النائب خالد الضاهر وادى الى تعليق عضويته في كتلة المستقبل. في المرة السابقة لعودته الى لبنان كان ثمة كلام كثير حول الحاجة الى وجوده من اجل توحيد الرؤية انطلاقاً من ان لغيابه في ذاته انعكاسات على تياره وعلى تماسكه كما على قدرته على الاستمرار في احداث توازن سياسي في البلد. وقد شكل الخطاب المهم للرئيس سعد الحريري في الذكرى العاشرة لاغتيال والده رافعة غدت ضرورية وملحة للبلد كما للطائفة السنية ولجمهور 14 آذار عموماً من أجل تعزيز عزيمتها من زوايا عدة لا تخلو من نقطتين اساسيتين في مضمون الخطاب، وتكمنان في البعدين الاقليمي المرفق بارادة الاعتدال الذي ترعاه المملكة العربية السعودية والداخلي او المحلي لعملية الاغتيال كما للصراع الذي تفجر على امتداد لبنان ودول المنطقة خلال عشرة اعوام من غياب رجل لا يزال يستحضر الحساسيات لدى خصوم له. واذ ترفض غالبية اللبنانيين ان لم يكن جميعهم عودة لبنان ساحة متفجرة للصراع الاقليمي او ان يشهد ما تشهده بعض الدول المجاورة من حروب بالواسطة خصوصاً في ما خص الصراع السني – الشيعي، الا انه في غياب رئيس الجمهورية الذي يفترض ان يكون ضابطاً لسياسة لبنان الخارجية وناظماً لإيقاع موقعه وفي ظل الصعوبات التي يواجهها رئيس الحكومة تمام سلام الذي يسير بين النقاط من اجل محاولة انقاذ عمل حكومته، فان ثمة توازناً سياسياً يحتاج اليه لبنان لئلا ينزلق لبنان كلياً الى حضن المحور الايراني وفق التصريحات المتوالية لكبار المسؤولين الايرانيين او على الاقل الى التسليم بذلك في ظل غياب اي موقف رادع. قال الحريري بان لبنان ليس في هذا المحور ولا في اي محور، وان لبنان ليس ورقة في يد احد، في ما يحتاج اللبنانيون الى طمأنة الى ذلك قولاً وفعلاً، وهو الذي لم يغفل استمرار المحاولات منذ ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري لمنع انتقال لبنان الى موقع مختلف فجرته عملية اغتياله وكان منطلقا لانتفاضة الاستقلال وتحرير لبنان من الوصاية السورية. وهذه نقطة صراع يأخذ جمهور من اللبنانيين على تيار المستقبل تسليمه بأمر واقع لا يملك الوسائل العسكرية لمناهضته، وهو لا يرغب بذلك من خلال تأكيده التشبث بإرث رفيق الحريري الذي كان رجل سلام يكره العنف، فلا يقبل التيار تحت عنوان الحوار الواجب لاعتبارات عدة لا شك فيها الرضوخ لهذا الأمر الواقع فيعلن ذلك ويكرره طمأنة لهذا الجمهور الذي يخشى استسلاما أو تنازلات ضمنية أو ضعفاً في الموقف والموقع تبعاً لاندفاع قوى محلية مدعومة بمحور اقليمي يحاول فرض اجندته اينما استطاع. ولذا وضع الحوار في اطاره الواقعي كـ”حاجة اسلامية لتخفيف الاحتقان وضرورة وطنية قد تفضي الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية”.
قوّم مراقبون كثر كلام الحريري ايجاباً خصوصاً في موازنته بين تأكيد ثوابت تياره من دعم لبنان الدولة والجيش كليا في وجه استرهان لبنان لمحور كما في وجه التطرف من خلال دعوته “حزب الله” الى استراتيجية لمواجهة التطرف في الوقت الذي يقول الاخير بمواجهته كما في الحرص على تأكيد نهج الاعتدال لدى الطائفة السنية. وأمسك العصا من حيث يجب ان يمسكها للرد على الحزب حيث يجب في مجال المخاطر التي استدرجها على لبنان عبر تدخله في سوريا او في ربطه للجبهات كما قال، من دون ان يتخلى عن الحوار من اجل حماية البلد ومنع انهياره.
ثمة اجماع على الحاجة الى متابعة حثيثة لذلك، كما ثمة ارتياح اثاره حضور وفد من التيار العوني وسؤال اذا كان يمكنه تبني اهم ثوابت التمسك بالدولة وفق ما كانت ثوابته في ما مضى؟