لم يعُد الحديث عن انتخابات رئاسة الجمهورية أمراً في غير مكانه وزمانه. فقد بات استحقاق تشرين الأول الحدث الأوّل الذي يطغى على كلّ شيء ويرتبط بكلّ شيء: التكليف وتأليف الحكومة، الترسيم البحري، المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، “تطيير” رياض سلامة، خطّة التعافي المالي والاقتصادي، مصير الاستراتيجية الدفاعية…
في القصر الجمهوري هدوء ما قبل الرحيل خرقته أوّلاً “عاصفة مرور” الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين وتبلُّغه ردّ لبنان “النهائي” على اقتراحه، ثمّ دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة في 23 حزيران الجاري، بفارق تسعة أيام عن تاريخ الدعوة، وهو ما يعني تلقائياً أن لا اتفاق حتى الآن على سيناريو التكليف. ومع توزيع جدول مواعيد الاستشارات أمكن رصد الملاحظات الآتية:
– يختتم نهار الاستشارات بتكتّل لبنان القوي برئاسة جبران باسيل وحليفه حزب الطاشناق. لكنّ افتتاح شريط الاستشارات بروتوكوليّاً سيكون بنائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، وهو سيعطي إشارة منذ البداية عن توجّه تكتّل باسيل إلى التسمية أو حجبها.
– عدم انضواء قوى التغيير ضمن تكتّل مستقلّ، فأُدرجت أسماء مجموعة الـ13 في جدول مواعيد الاستشارات مع فريق “النواب” من دون أيّ صفة مرادفة لهم، وسيذهب كلّ منهم وحده إلى بعبدا. بعكس عشرة نواب آخرين اختاروا أن يذهبوا إلى الاستشارات تحت عنوان “النواب المستقلّين”. مع العلم أنّ الجدول الذي صدر عن الأمين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر كان قد أدرج مجموعة الـ13 ضمن خانة “المستقلّين”.
– إضافةً إلى مجموعة الـ13 المحسوبة على قوى التغيير، رفض ثمانية نواب أن يكونوا في عداد النواب المستقلّين، وهم: فراس السلوم، ميشال المر، نعمة افرام، شربل مسعد، بلال الحشيمي، غسان السكاف، إيهاب مطر، نبيل بدر. وسيذهب كلّ منهم وحده إلى بعبدا.
لم يعُد سرّاً أنّ نجيب ميقاتي ضغط على ميشال عون لتحديد موعد الاستشارات في أقرب وقت، متّهماً جبران باسيل بـ”التدخّل لتأخير الموعد”، فيما أعربت رئاسة الجمهورية قبل ليلة واحدة من تحديد موعد الاستشارات عن خشيتها أن تتحوّل الآليّات الدستورية المُلزِمة “إلى ممرّ إلزامي نحو تشكيل متعذّر، وصولاً إلى فراغ رئاسي ثمّة مَن يخطّط للوصول إليه”، كما أوردت مقدّمة OTV ليل الثلاثاء.
هي إشارة صريحة جدّاً إلى وجود قلق متزايد في بعبدا من سيناريو تخطيط جهات سياسية، يذكرها عون بالاسم في مجالسه الخاصة، لحصول فراغ على مستوى الرئاسة الأولى يكون بديله حكومة كاملة الأوصاف، برئاسة ميقاتي وليس أيّ أحد غيره، تتسلّم مهامّ رئيس الجمهورية إلى حين الاتفاق على اسم رئيس جديد وتحديد معالم المرحلة المقبلة في ضوء التطوّرات الإقليمية.
هذا القلق الرئاسي يقابله توجّس ميقاتي الصريح من رفض باسيل العلني لطرح اسمه مجدّداً لرئاسة الحكومة، واحتمال دعم حزب الله لهذا التوجّه، و”نغل” باسيل داخل الغرف المغلقة لإقناع الحزب بالسير بخيار آخر، مع تسليمه بوجود معارضة نيابية ضدّه أوسع بكثير من التكليف الماضي.
كان لافتاً في هذا السياق ترويج الموقع الإلكتروني المحسوب على ميقاتي في اليوم نفسه لتحديد بعبدا موعد الاستشارات لحظوظ ميقاتي المرتفعة في تسميته مجدّداً بالإشارة إلى أنّه “الاسم (الوحيد) المطروح حالياً الذي يحظى بتأييد واسع معلن وغير مُعلن بعد”.
هذا ووصل أخيراً إلى مسامع ميقاتي “كلام كبير” يُقال في دوائر محسوبة على باسيل بأنّ نائب طرابلس ختم مشواره الحكومي باعتراف يشكّل إدانة صريحة علنية تستوجب المحاسبة القضائية له، حين أقرّ بسحب أمواله من لبنان بعدما وصلت الفائدة في المصارف إلى 16%، مع العلم أنّه كان رئيس حكومة ونائباً منح الثقة لحكومات بَصَمَت على سياسات ماليّة أوصلت إلى الانهيار والإفلاس، وحين “دقّ الأمر” بأمواله الخاصة عمد إلى سحبها من لبنان بدلاً من أن يشكّل رأس حربة في تحذير اللبنانيين ودقّ ناقوس الخطر من الكارثة الآتية، مفضّلاً مصلحته الشخصية على مصلحة أربعة ملايين لبناني.
لا تأخذ بالاعتبار المناوشات الرئاسية غير المسؤولة بين الطرفين وإرسال الرسائل عبر الإعلام أنّ الأزمة المالية تجاوزت كلّ الخطوط الحمر.
لكنّ المؤكّد أنّ الاستحقاق الحكومي بات مرتبطاً بشكل وثيق باستحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية على قاعدة One Deal، مع العلم أن لا بوادر إطلاقاً لتقدّم أيّ اسم على اسم آخر في بورصة الترشيحات الرئاسية، بل يسود غموض تامّ تعزّزه حالة الفوضى التي يغرق فيها الداخل اللبناني كلّما اقتربنا من استحقاق الرئاسة.في الكواليس، يحرص ميشال عون على مفاتحة كلّ من يلتقيهم، خصوصاً من الزوّار الأجانب وأعضاء السلك الدبلوماسي، بأنّه لن يبقى دقيقة واحدة في القصر بعد 31 تشرين الأول، من دون أن يقدّم أيّ مؤشّرات إلى ملامح وريثه المقبل.
عن “أساس ميديا”