لا نكشف سراً إذا قلنا إن ما يجري على الساحة تتحكم فيه، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، الحسابات ذات الصلة برئاسة الجمهورية. هذه حقيقة لا يقلل من جديتها ما يصدر بين حين وآخر من كلام النفي.
في هذا السياق يُفهم الحراك الكبير، على أنواعه كافة، من الاعتصامات في ساحة النجمة الى أحداث الجبل، وما بينها من لقاءات ومشاريع تحالفات وزيارات واعتراض على زيارات وخطابات، ومحاولات لجمع الماء والنار في تحالف واحد.
لا شك في أن المرشحين الرئاسيين الظاهرين (من أهل السياسة) هم ثلاثة إلا أن هؤلاء ليسوا الوحيدين في هذه المرحلة. علماً أن بورصة الأسماء، كما بورصة الحظوظ، ستبقى «مرنة» تتحرك صعوداً وهبوطاً من الآن حتى موعد إجراء الانتخابات المحددة قانوناً بعد ثلاث سنوات ونحو ثلاثة أشهر من اليوم. أي إننا في منتصف الولاية، ومع ذلك فإننا نعيش وسط حمى انتخابية تكاد تكون غير مسبوقة.
عملياً تبدأ معركة رئاسة الجمهورية في اليوم التالي لانتخاب الرئيس. ليس في لبنان وحده إنما في العالم الديموقراطي قاطبة. إلاّ أنها عندنا كانت تبقى بعيدة عن الأضواء أو تحت أضواء ناعسة. أما هذه المرة فالصراع الانتخابي (ولا نقول المنافسة) مفتوح الأبواب على مصاريعها، والأسلحة كافة مستخدمة فيه.
وأما المرشحون الثلاثة الأبرز، فهم الوزير جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر، ورئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية والوزير السابق الدكتور سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية. وزير حالي ووزيران سابقان وثلاثة رؤساء أحزاب مسيحية الطابع والانتساب عموماً يسعى كل منهم لأن يكون خليفة العماد ميشال عون في قصر بعبدا. إلا أن دون هذه الخلافة عقبات كبرى وصعوبات عديدة، واحتمال حدوث فراغ رئاسي يعقب انتهاء العهد الحالي.
ذلك أنه عند الاستحقاق قد لا يكون الجو العام في لبنان مختلفاً عن الأجواء التي سبقت انتخاب الجنرال عون.
سبق للوزير سليمان فرنجية أن قال إنه في حال حصر المنافسة الانتخابية الرئاسية بينه وبين الوزير جبران باسيل فإن الدكتور جعجع سيدعم زعيم المردة. طبعاً بادرت «القوات» الى إصدار توضيح تضمن نفياً.
أمّا أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله فمن الواضح أنه لن يعلن موقفه باكراً. ولا يُعرف ما إذا كانت نظرية «هيدا عين وهيدا عين» التي أطلقها سماحته دلالة على التنافس الذي كان دائراً بين فرنجية والجنرال عون… ما إذا كانت مستمرة مع فرنجية وباسيل. والموقف الحاسم يبقى، بالنسبة لحزب الله، رهن التطورات والمستجدات في المنطقة والإقليم.
سبق وكتبنا هنا أن ديبلوماسياً أوروبياً غربياً بارزاً قال: لا تنسوا دور واشنطن مستبعداً أن تحيد ذاتها في الاستحقاق الرئاسي المقبل كما فعلت في المواجهة الرئاسية السابقة.
وفي هذه الحال فعينكم على حاكم المصرف المركزي وقائد الجيش… وهما يقودان مؤسستين وطنيتين تؤثرهما واشنطن على أهل السياسة كما بات معلوماً.