Site icon IMLebanon

الرئاسة مقابل الإنتخابات؟!

شغلت مبادرة السيّد حسن نصرالله، حيال السلة المتكاملة، الأوساط السياسية، خصوصاً بعدما كرّرها وأكّدها. وأرفقت بموقف لافِت ومتطوّر للشيخ نعيم قاسم الذي سَلّم بمبدأ أنّ «التسوية فيها تنازلات ومكاسب». وبالتالي، السؤال الذي يطرح نفسه: أين سيتنازل الحزب وأين سيكسب؟

للمرة الأولى منذ الفراغ الرئاسي يصدر عن «حزب الله» كلام من النوع الذي يُشتمّ منه استعداده للذهاب إلى تسوية سياسية، فيما كان يؤكد باستمرار تمسّكه بترشيح العماد ميشال عون، الأمر الذي يقطع الطريق أمام ايّ بحث جدي يؤدي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

وبمعزل عن الخلفيات التي تدفع الحزب إلى التقدم خطوة إلى الأمام باتجاه التسوية، أكانت لأسباب سورية غير معلومة وناضجة بعد، أو لأسباب أمنية وسياسية داخلية أيضاً مجهولة، فإنه من الواضح أنّ فريق 14 آذار قرّر التعامل معها بجدية، خصوصاً أن لا شيء يخسره في حال كانت مجرّد مناورة، بل يظهر أمام الرأي العام بأنه على استعداد دائم لتَلقّف أيّ مبادرة تؤدي إلى حلحلة الوضع السياسي، ويكشف أنّ ما قام به الحزب لا يعدو المناورة السياسية.

فمصلحة 14 آذار إذاً هي في مَد اليد لمبادرة السيّد نصرالله للأسباب الآتية:

أولاً، لأنها في موقع المُتلقّف لأيّ تسوية تؤدي إلى تحصين الوضع في البلد.

ثانياً، لأنها في موقع اليد الممدودة باستمرار للطرف الآخر الذي قرر مبدئياً مَد اليد بدوره.

ثالثاً، لأنها في موقع المُدرك أنّ البلد لا يقوم إلّا على التسويات.

رابعاً، لأنها في موقع الساعي إلى استكشاف ماذا يقصد الحزب ويريد من هذه التسوية.

فقوى 14 آذار لا يمكنها أن ترفض الدعوة إلى تسوية قبل أن تناقش أصحاب العلاقة بمضمونها، وتسعى إلى بلورتها بما يتوافَق مع تطلعات كل القوى السياسية، إنسجاماً مع مبدأ التنازلات التي تقضيها أيّ تسوية.

ومن المتعارَف عليه أنّ التسوية على طريقة السلة تعني إمّا التوافق على كل عناصر هذه السلة، أو لا توافق. فلا يصحّ الكلام إذاً عن أولوية الرئاسة التي تمهّد لتأليف حكومة ومن ثم البحث في قانون انتخاب، لأنّ المقصود بالسلة هو الصفقة المتكاملة ودفعة واحدة. بمعنى انّ عدم الاتفاق على قانون الانتخاب يطيح الاتفاق على الرئاسة والحكومة.

ولا شك انه بانتظار تَبيان جدية توجّه الحزب، ستحافظ 14 آذار على أولوياتها. ولكنّ الدخول في حوار حول السلة يعني أنّ التسوية ستتضمن اتفاقاً رباعياً (رئاسة جمهورية، حكومة، قانون انتخاب وانتخابات) تتكفّل القوى السياسية بتنفيذه، حيث يُصار إلى انتخاب رئيس توافقي وتأليف حكومة انتخابية مهمتها الإشراف على هذه الانتخابات.

وفي موازاة التساؤل عن الخلفيات السياسية الكامنة وراء المبادرة، هناك تساؤل من طبيعة أخرى، وهو: هل قرّر «حزب الله» القفز فوق ترشيح العماد عون ومقابل ماذا؟ ومن الواضح أنّ المقايضة المحتملة ستكون بين الرئاسة وقانون الانتخاب، لأنّ الحكومة محسوم أمرها لجهة رئاستها وتوازناتها.

وعلى رغم بديهية أنّ مفتاح رئاسة الحكومة هو بيَد تيار «المستقبل» كنتيجة طبيعية لتمثيله داخل الطائفة السنية، إلّا أنّ هذه البديهية تشكّل مطلباً لـ«حزب الله» في هذه المرحلة من مُنطلق حاجته الى دور الاعتدال السني في مواجهة التطرّف السني، هذه الصيغة التي أثبتت نجاحها مع تأليف حكومة الرئيس تمام سلام.

فالحكومة إذاً ستكون خارج المقايضة، ما يحصر الأمور بين رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب. وفي هذا السياق تبرز أربعة احتمالات:

الاحتمال الأول، أن يدعو «حزب الله» قوى 14 آذار إلى الموافقة على انتخاب عون مقابل موافقته على قانون الانتخاب الذي يؤمّن الأكثرية البسيطة لهذه القوى، أي النصف زائداً واحداً.

الاحتمال الثاني، أن يقايض الحزب تَخلّيه عن عون مقابل قانون الانتخاب الذي يوفّر له أكثرية النصف زائداً واحداً.

الاحتمال الثالث، أن يوافق الحزب على شخصية توافقية للرئاسة مقابل قانون انتخاب على طريقة الغموض البنّاء، ولكنه في هذه الحال لا يكون قد انتزعَ شيئاً مقابل تَخلّيه عن عون، إلّا إذا كان يراهن على أنّ أيّ انتخابات في الظروف الحالية ستقود إلى خسارة فريق 14 آذار، وتحديداً «المستقبل»، للأسباب المعلومة المتصلة بغياب الحريري والوضع المالي للتيار.

الاحتمال الرابع، أن يكون الحزب يريد أن يرمي كرة التعطيل في ملعب 14 آذار و»المستقبل» حصراً، من زاوية رهانه على انّ الأخير لن يقبل بتسوية تُفضي إلى انتخابات نيابية.

وفي موازاة ما تقدمّ من احتمالات، تشكّل مبادرة نصرالله الإشارة الثانية لاستعداده التَخلّي عن عون، بعدما كان اعتبر في إشارة أولى أنّ عون هو الممر الإلزامي للرئاسة. فهل بدأ العد العكسي لتخَلّي «حزب الله» رئاسياً عن حليفه في وثيقة التفاهم؟ وما الثمن الذي يريد الحزب أن يقبضه؟ وكيف سيعوّض على عون، وأين؟

وفي مطلق الأحوال، فإنّ طرح المبادرة اليوم لا يعني أنّ ترجمتها ستكون غداً، إنما أهميتها تكمن في إعلان «حزب الله» استعداده للتسوية في إشارة للداخل ورسالة للخارج وتهيئة لحليفه المسيحي الذي وصف تحالفه مع الحزب بأنه ثابت بثبات قلعة بعلبك في اللحظة نفسها التي لم يلتفت فيها الحزب لمطالبة حليفه بإدراج قانون الانتخاب في جدول أعمال الجلسة التشريعية، وأصَرّ على المشاركة في حوار عين التينة في خطوة تبريدية مع رئيس المجلس، وكأنّ عون يلتقط إشارات مُتطايرة بين ما يحصل في قاعات فيينا، وبين الوضع الأمني الذي عاد إلى تَصدّر أولويات المشهد السياسي.

ولا شك أنّ الحوار الثنائي بين «المستقبل» و«حزب الله» كفيل بجَسّ نبض الحزب حول مدى استعداداته للبحث عملياً في تسوية السلة المتكاملة، ليُصار بعدها إلى نقل بنود السلة إلى طاولة الحوار الجامعة من أجل أن تكون التسوية وطنية، لا مذهبية، وانضمام «القوات» والكتائب» إلى الطاولة، على رغم اختلاف مقاطعتهما، من أجل تكون التسوية العتيدة بنصاب وطني شامل.