لا يكفي القول أن الحكومة غير مرتاحة الى الأوضاع السياسية والأمنية، طالما أن المعنيين مباشرة بالأمور السياسية والأمنية غير مرتاحين بدورهم الى ما هم فيه بالنسبة الى التطورات ذات العلاقة بالحال العامة في البلد، وهذا عائد الى ما الجميع على ما هم عليه مثلهم مثل جميع اللبنانيين على السواء ممن لا يعرفون الى أين تسير الدولة في معالجة ما هي بصدده من تعقيدات ومشاكل، في مقدمتها الإنتخابات الرئاسية التي لم يعد أحد يعرف أين ومتى ستجري وكيف، خصوصاً أن هناك فرسي رهان يعرف واحدهما والآخر، إنه من المستحيل عليه أن يكمل شوط ترشحه، وهذا لب المشكلة التي توصف بأنها لن تشهد رئيساً جديداً للجمهورية، بعد آخر رئيس هو ميشال سليمان الذي ترك بعبدا غير اسف على المنصب بحسب اجماع المراقبين!
أما بالنسبة الى الإنتخابات النيابية فقد أصبحت بدورها في خبر كان، على رغم الطعن بالتمديد للمجلس وهو الثاني بعد التمديد الأول من غير حاجة الى القول أن المجلس الدستوري سيأخذ به لأسباب عللها الطاعنون في التيار الوطني بحجة أنه كان بوسع الحكومة إجراء الإنتخابات وهي حجة ساقطة لأن الظروف الأمنية لم تكن تسمح بذلك، إضافة الى أن الإنتخابات كانت تحتاج الى تحضير ولجان مراقبة ومتابعة، وهذا لم يلتفت أحد إليه لا ممن كانوا مع الإنتخابات أو مع التمديد.
والذين يقولون ان الرئيس ميشال سليمان هو آخر رئيس للجمهورية، ليسوا أقل أهمية ممن يؤكدون ويرون أن لا مجال بعد الآن لإجراء إنتخابات نيابية، وفي الحالين لا يبدو من بوسعه تكذيب أحد، طالما أن لا مجال لإجراء الإنتخابات الرئاسية في ظل انقسام البلد بين مرشحين لا ثالث لهما هما رئيس التيار الوطني العماد المتقاعد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، حيث يصر كل منهما على أن الرئاسة من حقه مدعوماً من قوى قادرة على منع إكتمال النصاب، مقابل قوى قادرة على أن تنتخب ولا يسمح لها بالإنتخاب!
لقد تكررت الأسطوانة من غير أن يبدو في الأفق ما يشير الى إمكان إجراء الإنتخابات الرئاسية، على رغم محاولات من يهمه الأمر، إن من جهة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي، أو من جهة القدرات المارونية الغائبة عن تحالفين الأول قوى 14 آذار والتحالف الثاني قوى 8 اذار، إضافة الى قدرات حزب الله الموظفة لها في مصلحة المرشح الأول التي يعلق ترشحه على أساس النية، بما في ذلك القاعدة القائلة أنا أو لا أحد، وهذه سابقة في الحياة السياسية اللبنانية (…)
المهم إزاء كل ما تقدم، إن الإنتخابات النيابية عالقة بالتمديد وبمعرفة مصير الإعداد لقانون انتخاب جديد، فيما الإنتخابات الرئاسية عالقة بدورها بين من في وسعه أن ينسحب لمصلحة الثاني والمقصود هنا عون وجعجع، لأن المرشح الثالث النائب هنري حلو غير جدي من بداية المعركة الى الحد الذي وصلته، وهذا ما ليس بوسع أحد القول عنه أنه فرس رهان طالما أنه لم يظهر بمظهر من بوسعه ان يحارب أحداً على الجبهة الرئاسية؟!
لقد قيل الكثير عن التمديد لمجلس النواب، كما قيل الكثير عن عدم توفر المناخ السياسي المناسب لإجراء الإنتخابات النيابية ومثلها الإنتخابات الرئاسية، فيما لا يزال هناك من يتحدث بأسى عن المانع من التجديد للرئيس ميشال سليمان، أو التمديد له لا فرق، الى حد القول أن فخامته قد تصرف بارتياح يوم أصر على ترك المنصب لأولئك الذين كانوا يستهدفونه في إنتقاداتهم من غير أن يعرفوا الى أين يمكنهم الوصول، بينما عرف الرئيس سليمان كيف ينسحب بهدوء، وبكبرياء وعزة نفس حفاظاً على الموقع وعلى معنوياته؟!
والى جانب الإهتمامات السياسية هناك الإجتماعات الأمنية العالقة في حلق جميع المسؤولين، ليس لأنهم لا يريدون معالجتها، بل لأنهم غير قادرين على ذلك، حيث هناك عقدة إسمها عرسال أكبر من أن تعالج بالوسائل السياسية التقليدية والتي لولاها لكانت مشكلة طرابلس هي العقدة في هذا الزمن الصعب الذي من الواجب ان تعالج فيه قصة عرسال على أساس خطة أمنية متكاملة أو من دون خطة لأنها مرشحة لأن تأخذ البلد ومعه السلطة في متاهة ما بعدها من مخاطر وسلبيات، خصوصاً إن من يدعي قدرته على مواجهة الظروف الصعبة قد بدأ أخيراً وكأنه رفع العشرة، إعترافاً منه بأن عرسال أكبر من أن تعالج بالوسائل التقليدية، حتى من جانب القوى العسكرية والأمنية، قبل أن تعرف الحكومة ماهية المشكلة وما هو نوع المقاتلين هناك؟!