IMLebanon

الرئاسة والطروحات الفاشلة: فرنجية يراقب ولا ينكّس سلاحه

ما ان طَفت الليونة الحريرية على السطح الرئاسي، وظهّرت احتمال تبنّي ترشيح ميشال عون لرئاسة الجمهورية، حتى شعر رئيس التيار البرتقالي انّ سعد الحريري تخلّى عن سليمان فرنجية، وانّ مفتاح القصر الجمهوري صار في يده!

سمير جعجع شارك عون فرحته، فإزاحة هذا «الخصم» من الطريق الرئاسي، هدف مشترك لكليهما، لأنّ تربّعه على عرش الرئاسة الاولى يكسر كل الاحلام والطموحات السياسية والرئاسية الممتدة من الرابية الى معراب وما بعدهما.

ولكنّ الفرحة العونية لم تكتمل، وكما ارتفع منسوب التفاؤل في الرابية الى الحد الأعلى، هبط دفعة واحدة نزولاً الى ما دون الصفر، ليستبدل بخيبة امل كبرى من اصطدام تلك الليونة بالفشل. وبالتالي، فإنّ الخطوات الافتراضية التي ظنّ عون انه قطعها الى الامام نحو بعبدا، خَطا مثلها خطوات الى الخلف، وعاد الى التمركز مجدداً في غرفة الانتظار، لعلّ ظروف الفشل تتبدّل وتطرأ مستجدات تعيد فتح باب القصر الجمهوري أمامه.

كل ما أحاط الليونة الحريرية من ألفه الى يائه، كان تحت مرمى عَين بنشعي. كان واضحاً انّ هناك من يحاول ان يسحب البساط الرئاسي من تحت قدمي فرنجية. لا شك انّ وَقع ذلك لم يكن مريحاً في بنشعي، بل سقط ثقيلاً جداً عليها، لم تجد تفسيراً او مبرراً لكلّ هذه «المعمعة» لا في الزمان ولا في المكان ولا في مضمون الطروحات التي تسرَّبت عَمداً، ودَحرجها «المتفائلون» من الرابية ومفادها «الحريري تخلّى عن فرنجية».

وعلى رغم ذلك، قرّر سليمان فرنجية ان يراقب ويُحصّن نفسه بما يتطلّبه هذا المُستجِد. أدركَ من البداية انّ هناك من يراهن على اشتباك، بينه وبين الحريري، يقضي على المبادرة الحريرية بتَبنّي ترشيحه لرئاسة الجمهورية، لكنه خيّب أمل المنظّرين لهذا الاشتباك، فلم يُستفَز، ولم ينزل الى ساحة السجال.

أكثر من ذلك، ضبط ايقاع حركته وأدائه في الاتجاه الذي يجعل كل الآخرين، وخصوصاً «المستَفَزِّين» من ترشيحه، يفكرون أكثر من مرّتين، قبل مقاربة موقعه الثابت في نادي المرشحين للرئاسة. إلتقى حلفاءه وآخرين، وصارَحهم بالكلام الذي لا لبس فيه، وبالمختصر المفيد قال ما يجب ان يقال، حيث يجب ان يقال، وأوصلَ رسالته، بكل صراحة ووضوح وحزم، الى حيث يجب ان تصل.

حراك فرنجية هذا، لم يكن محاولة لاستيلاد فعالية ما او معنويات، او للتأكيد مجدداً على انه في قلب الارقام الصعبة التي لا يمكن تجاوزها، او للتأكيد على حقه الطبيعي في ان يكون مرشحاً قوياً لرئاسة الجمهورية وانه يمتلك المواصفات والمؤهلات التي تخوّله التربّع على عرش بعبدا.

كما لم يكن هذا الحراك محاولة للرد على «من يُجيِّر الميثاقية لنفسه ويعتبرها حقاً حصرياً له، ويتهم فرنجية بأنه لا يعكس صحة التمثيل المسيحي». وبالتالي، تذكير هؤلاء أولاً بما اكد عليه لقاء بكركي في حضور البطريرك الماروني بشارة الراعي، بأنّ هذه الميثاقية متوافرة في انتخاب ايّ من المرشحين الاربعة. وثانياً تذكير هؤلاء بنتائج الانتخابات البلدية الاخيرة، التي كشفت الكثير من العلل والعورات المسجّلة بالصوت والصورة.

ولم يكن حراك فرنجية ايضاً محاولة لكي يستغرب تحفظات من هم في «خطّه السياسي»، ويواجههم بحجّته «كَما لِغَيري الحق في ان يحاور الحريري على مدى أشهر، ويسعى الى الاتفاق والتفاهم معه حول امور كثيرة ومتنوعة حتى على أبسط التفاصيل المرتبطة بالاداء الحكومي وكل ما يتفرّع عنه من سياسات، من دون أخذ إذن من ايّ من حلفائه، ومن دون مراعاة لهم ولتحفظاتهم على هذا الحوار شكلاً ومضموناً، فَلِي الحق ايضاً في أن احاور الحريري واتفق معه، وبالتالي لا قيود علي، وأنا سيّد نفسي في هذا المجال».

ولم يكن ايضاً، حراكاً، لكي يعبّر فرنجية خلاله عن شديد استغرابه من ان يقف «الحليف القريب جداً» مع الخصم اللدود (سمير جعجع) في خندق واحد مَنعاً لوصوله الى رئاسة الجمهورية.

وكذلك استغرابه من استمرار تحفّظ بعض مَن هم من فريقه السياسي على وصوله الى رئاسة الجمهورية، فيما وصوله الى الرئاسة بقدر ما هو انتصار له، هو انتصار لهم وللخط السياسي الذي ينتمي اليه.

بل انّ هذا الحراك، كان شكلاً من اشكال الحضور الفاعل ليقول من خلاله لكل الوسط السياسي إنه مستمر على خياراته اولاً، وعلى حضوره في المسرح الرئاسي ثانياً، والأهم ّانه ليس في وارد ان يُنكِّس سلاحه في المعركة الرئاسية المفتوحة، او ان يتخلى عن اوراقه ويسلّمها الى الآخرين.

وعلى رغم كل الضجيج الذي افتعل على الخط الرئاسي في الآونة الاخيرة، فإنّ العبرة في مفهوم فرنحية، تبقى في الخواتيم، هو يقرأ المشهد الداخلي على حقيقته بواقعية، والواقعية توجِب القراءة الموضوعية والهادئة في اتجاهين:

– الأول، للداخل اللبناني لعله يصبح مؤهلاً اكثر لإنضاج الملف الرئاسي وإتمامه. ولعلّ الضرورة باتت تُحَتّم الذهاب الى «لَبننة» الاستحقاق على النحو الذي يدعو اليه الرئيس نبيه بري، وهنا لا بدّ من لفت الانتباه الى انّ عامل الزمن شديد الدقة والحساسية. وكلما مرّ يوم تأخير، تصبح التسوية عرضة للتهديد والتصويب عليها ومحاولة نَسفها من أساسها من قبل المتربّصين بها. وأوجب الواجبات هنا هو التسريع في الانتخاب.

– الثاني، للخارج الاقليمي والدولي، فلعبة الامم الاقليمية والدولية شديدة الاشتعال، واللحظة الاقليمية ما زال مَوجُها عالياً جداً، وملف الرئاسة في لبنان مرتبط باحكام بعناصر الازمة السورية ومتفرعاتها الاقليمية والدولية، وبالعلاقة السعودية الايرانية المتفجرة حتى الآن.

وتِبعاً لهذين الاتجاهين، فإنّ الصورة واضحة بالنسبة الى فرنجية، ولعلّ الأكثر وضوحاً فيها هو انّ كل ما يطرح حالياً على صعيد رئاسة الجمهورية، وحتى إشعار آخر، هو أشبَه بـ»بالونات هواء» او «بالونات اختبار» او مناورات سياسية لتعبئة الفراغ.

لماذا تَبدّت الليونة الحريرية أصلاً؟

هناك من يقول «مَرّت تلك الليونة في الأجواء وعَبرت، والحريري على تمسّكه سياسياً واعلامياً بخيار فرنجية، لكنّ هذا لا ينفي انّ الحريري قد يكون في حاجة ماسّة لتوسيع هوامش المناورة الداخلية، خصوصاً انّ قواعد اللعبة الرئاسية شديدة التعقيد في هذه المرحلة.

يبقى السؤال، هل أثّرت تلك الليونة في العلاقة بين فرنجية والحريري؟

لم يَبدر عن بنشعي او عن بيت الوسط ما يؤشّر الى دخول تلك العلاقة الى منطقة التوتر والاهتزاز، وهناك من يؤكد انّ الانسجام المتبادَل بين الرجلين ما زال متقدماً على ايّ سوء فهم قد يطرأ في ايّ وقت.