لست في وارد كتابة ملخّص عن السيرة الذاتيّة للعماد ميشال عون يوم كان في الجيش ضابطاً ثم قائداً. معلوماتي عن العسكر قليلة جداً والمتوافر منها يحتاج إلى تدقيق وتحقّق. كما لست في وارد تأريخ مسيرته السياسيّة التي يحاول أن يجعل ختامها مِسكاً بوصوله إلى رئاسة الجمهورية أطال الله عمره. كل ما أحاوله في هذه السلسلة التي تكاد أن تنتهي هو الإشارة بموضوعية إلى أخطاء زعامات وقيادات ومرجعيّات سياسيّة وحزبيّة ودينيّة في أثناء مسيرتها يحصد اللبنانيّون اليوم من كل الطوائف والمذاهب نتائجها وأبرزها الشغور الرئاسي منذ 18 شهراً ونيّف.
انطلاقاً من ذلك أعتقد أن الخطأ الأساسي الذي ارتكبه العماد عون منذ بداية مسيرته العسكريّة ثم السياسيّة – العسكريّة فالسياسيّة منذ ذهابه إلى فرنسا منفيّاً في أعقاب قضاء سوريا بموافقة دوليّة وإقليميّة على تمرّده، أعتقد أنه شهوة السلطة وتحديداً الرغبة في احتلال أرفع موقع في الدولة يسمح له به انتماؤه الماروني المسيحي. فيوم تعاون مع الرئيس الراحل اغتيالاً بشير الجميّل كان هدفه أن يكون إلى جانبه قائداً للمؤسّسة العسكريّة. ويوم عيّنه الرئيس أمين الجميّل رئيساً لحكومة انتقاليّة (عسكريّة)، استقال مسلموها بعد دقائق من صدور مراسيمها، وكانت مهمّتها القانونيّة والدستوريّة انتخاب رئيس للجمهوريّة بعد العجز عن ذلك ضمن المهلة الدستوريّة، تصرّف على أساس أنه رئيس حكومة فعليّة، ولم يسعَ إلى انتخاب رئيس جديد إلّا إذا كان هو، لا بل عطّل الانتخابات وأغرق طموحه الرئاسي البلاد بمزيد من الفوضى والمعارك وخصوصاً بين المسيحيّين وفي مناطقهم (1988 – 1990). وكان ذلك السبب الثاني لهزيمة المسيحيّين في الحرب، باعتبار أن السبب الأوّل كان مجزرة إهدن عام 1978.
وفي أثناء نفيِه “أطّر” أنصاره في صورة مبدئيّة، وخاض بواسطتهم معركة إخراج سوريا من لبنان واستعادة استقلاله، ونجح في إظهار قوته الشعبية. كما خاض معركة دوليّة للغرض نفسه وخصوصاً في أميركا، إذ نجح بواسطة “اللوبي اللبناني” المؤيّد له وحلفائه الأميركيّين في استصدار قانون من الكونغرس “بمحاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان”. وبدا واضحاً في حينه أن التحرير الذي أراده عون صادقاً رافقته رغبة في الوصول إلى الرئاسة.
وبعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري وانطلاق “انتفاضة الاستقلال” التي أدّت إلى خروج القوات السوريّة من لبنان، بدعم دولي في مجلس الأمن وتأييد عربي وتحديداً سعودي، بدأ عون يعدّ للعودة إلى لبنان قائداً للانتفاضة ولاحقاً رئيساً للدولة. وما حصل في باريس يومها من اجتماعات ولقاءات بينه وبين سوريّين رسميّين بمساعٍ من جهة رسميّة لبنانيّة وآخرين، وذلك موثّق في كتاب للمحامي كريم بقرادوني، أظهر أن هدفه الأول الرئاسة. أما الأهداف الوطنيّة فيمكن “تدوير زواياها”. والطريقة التي تصرّف بها معه 14 آذار، وخصوصاً في مرحلة التفاوض على اللوائح الانتخابية، شجّعته على السير في طريقه الجديدة. كما أن المعلومات المتوافرة كانت تشير إلى استحالة أو بالأحرى صعوبة تغييره مساره السياسي الجديد. وقد دافع عنه بالقوّة نفسها التي قاتل بها في الماضي. ثم تفاهم مع “حزب الله” وصار أقرب المسيحيّين إليه وإلى راعيه الإيراني وحليفه السوري، وبقيت الرئاسة هدفه الأول. لكنه صار في نظر أعداء هؤلاء ساعياً إلى تأسيس “تحالف أقليّات” لا ينظر إليه المسلمون السنّة بارتياح. والآن ولبنان في شغور رئاسي طويل يخوض عون معركته الرئاسيّة الأخيرة ربّما ولكن ضد حليف له هو النائب سليمان فرنجيه. علماً أن الأخير تخطّى في سعيه إلى الرئاسة نصائح حلفائه الذين هم حلفاء عون أيضاً، مظهراً بذلك أن الزعامات المارونيّة تهمّها الكرسي وإن تضاءلت أهمّيتها قبل المبدئيّة في السياسة. ومن أجلها تفاهم عون مع “القوات اللبنانيّة” التي دمّرت الحرب بينهما منطقة مسيحيّة واسعة وقبل ذلك إرادة الصمود المسيحي. علماً أنّه قبل سنة أو أقل تفاوض مع معارضيه اليوم من المسلمين السنّة من أجل الوصول إلى السلطة. وهم معارضو حلفائه اليوم أي المسلمين الشيعة.
طبعاً لا يستطيع أحد إنكار الطموح الرئاسي لعون وغيره، فهو شرعي. لكنّ التساؤل هو: هل الرئاسة هدف في ذاتها، أو الهدف من التربّع على سدّتها هو الحفاظ على مصلحة الوطن واستطراداً على وجود مسيحيّيه ودورهم الفاعل فيه؟
هل أخطأ الرئيس نبيه برّي و”حزب الله”؟