الجمهورية في خطر. إنها مقطوعة الرأس، ولا يمكن جسماً ان يحيا بلا رأس مهما بذلت المحاولات لذلك. وها هو لبنان يتعثر في كل شيء. لا رئاسة، والحكومة شبه معطلة، ومجلس النواب لا يمكنه ان يكون فاعلاً من دون رئيس وحكومة فاعلة. وحدها الأجهزة الأمنية تتخذ المبادرات، وحسناً تفعل، انطلاقاً من واجبها المقدس في الدفاع عن حق اللبنانيين في عيش كريم وحمايتهم من خطر الارهابيين الذي يتهدّدهم كل يوم.
الحوار بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” لم يأت على ذكر رئاسة الجمهورية حتى اليوم، مع العلم أن الطرفين يعتبران الامر شأناً مسيحياً خالصاً، لكنهما يعجزان عن اتفاق في الحد الادنى في شأنه، والحوار المقابل “الاسلامي” لم يشأ التطرق الى الملف الرئاسي لعدم تظهير اتفاق اسلامي في شأن يخص المسيحيين بما يثير حساسيّتهم. وحده البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ينادي كصوت صارخ في البرية ان أسرعوا في انتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في هذا الشرق، ولا تظهروا للعالم أن الرئاسة صارت أمراً منسياً يمكن الاستغناء عنه وتسيير أمور الدولة من دونه، واذا ما توافر فيكون لإكمال العدد.
وهو قال أمس: “لا بد من أن نخاطب، في ضوء الانجيل، ضمائر المسؤولين المعنيين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من داخل البلاد وخارجها. بعدم انتخاب رئيس للجمهورية: إنهم يتسببون بـ “نزف” مقدرات الدولة و”نزف” مهمات وصلاحيات مؤسساتها الدستورية والعامة، و”نزف” مالها العام، و”نزف” أخلاق شعبها، و”نزف” الهجرة الحسية والنفسية لدى أجيالها الطالعة، و”نزف” كرامة الوطن اللبناني ودوره في محيطه وعلى المستوى الدولي”.
ومع الراعي نفسه نردد أن “الفراغ الرئاسي ليس مادة لابتكار البديل من وجود رئيس، ولا رئاسة الجمهورية أمر قابل للاستغناء عنه ولو للحظة. ففي هاتين الممارستين، أي آلية البديل والاستغناء، مخالفة واضحة للدستور. وعبثاً يحاولون تبريرها بقراءة مجتزأة له. فالدستور وحدة متكاملة ومواده تفسر بعضها بعضاً. مع كل هذه الأمور بات يخالجنا الشك في النيات”.
لذا على البطريرك وكل المعنيين بالرئاسة، أي بالوطن، الخروج من منطق اعتبار الرئاسة شأنا مسيحياً وحصرها بالزعماء الموارنة المتصارعين أبداً، وإشراك الآخرين، كل الشركاء في الوطن، في هذا الاستحقاق، وربما الدعوة الى حوار وطني ترعاه بكركي، او رئيس مجلس النواب، لفرض اجراء الاستحقاق على الجميع، ولا يقل أحد إنه انتقاص من دور الموارنة والمسيحيين، فالمشاركة الوطنية في الاستحقاق قد تدفع أيضاً الى اخراج الرئاسات كلها من طوائفها الى رحاب الوطن.