هكذا طارت جلسة اللجان النيابية وطارت معها سلسلة الرتب والرواتب، كذلك فكرة تشريع الضرورة، ليس لان «نواب الامة» لم تعجبهم رئاسة النائب ابراهيم كنعان للجلسة، بل لان التشريع في غياب رئيس الجمهورية يحتاج الى استعدادات سياسية من الواجب اخذها في الاعتبار، اقله تجنب ما لا طاقة للمجلس على تحمله بعيدا من الرئاسة الثانية فكيف الحال في غياب الرئاستين الاولى والثانية.
رب قائل ان جلسة اللجان ستنعقد مهما اختلفت الاعتبارات كونها جلسة غير تشريعية، فيما هناك من يجزم بان رئيس المجلس نبيه بري بوسعه الافادة من الحضور النيابي لعقد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، ليكون منسجما مع نفسه وهكذا بالنسبة الى البقية الباقية من الكتل والنواب، وكي لا يقال مثلا ان جلسة انتخاب الرئيس ليست مستبعدة طالما تأمن الحضور النيابي اللازم، وكي لا ينظر النواب والكتل الى الموضوع الرئاسي وكأنه زواج متعة؟!
ان تشريع الضرورة فكرة لا بأس بها لتمرير بعض القوانين لكن ليس كلها، وهذا معروف تماما من جانب من لا حساسية لديه بالنسبة الى الرئاسة الاولى ومن هنا بالذات قال المشرع انه لا بد من جلسات انتخابية مفتوحة ومحصورة بانتخاب الرئيس كي لا تتكرر مهزلة الغياب والحضور المضاد والعكس صحيح في هذا المجال، ربما لان لا رغبة لدى البعض للعمل بموجب الدستور والقوانين، لذا على الرئيس بري ان يتحمل تبعات اللعبة السياسية كي لا تستمر الامور على ما هي عليه من خفة؟
صحيح ان الرئيس بري لن يعدم وسيلة لعقد جلسة اللجان برئاسته او برئاسة نائبه، ومن هنا سيكون انتقاد متواصل للطريقة التي لا بد وان تؤدي الى تشريع الضرورة، مع العلم انه ليس اختراعا ان تطرح الموازنة على بساط البحث منعا لمحاذير الاستمرار في الصرف الكيفي حسب هذه القاعدة او تلك، خصوصا عندما يقال ان التكرار في غياب الموازنة يصح لمصلحة جهة على حساب جهة اخرى، والامر عينه سينطبق على كل ما من شأنه تجميد تشريع الضرورة ليس الا (…).
والذين يأخذون على الرئيس نبيه بري استخفافه بعقد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية يعيدون الاسباب الى ما سبقت الاشارة اليه، حتى ولو اقتضى الامر استباق كل شيء بعقد جلسة تشريعية مخصصة للبحث في ماهية حضور النواب الاكثرية بالنصف زائدا واحدا واي كلام غير هذا يبقى من ضمن دلالات اللعب بالدستور ومعه القوانين والاعراف!
واذا سلمنا جدلا بأن مجلس النواب لن ينعقد بالاغلبية المطلقة، نكون كمن يدور في حلقة مفرغة طال الكلام عليها من دون الوصول الى نتيجة، وهذا مرتقب لاعتبارات يعرفها رئيس المجلس كما يعرفها سواه، خصوصا اولئك الذين لا يريدون رئيسا للجمهورية، فضلا عن ان ما تقدم سيكون من ضمن كل ما يعني مواقع الانتخاب، انما الحال السياسية لم تعد تسمح بالانجرار وراء الفراغ الرئاسي لانه سيؤدي تلقائيا الى شلل في مجلس النواب وفي مجلس الوزراء!
من هنا يقال عن تشريع الضرورة انه مجرد مخرج موقت لا بد وان ينتهي مفعوله بعد كم تشريع شكلي، انما ان يكون استمرار بعده فهذا من الامور التي ينظر اليها وكأنها مجرد غباء سياسي من المستحيل الركون اليه، حيث ستكون نتيجة او لا نتيجة في نهاية المطاف، وعندها من الواجب سؤال من يعنيه الامر «من يتحمل تبعات الجمود في التشريع، لاسيما ان هناك قضايا ملحة من بينها، بل في مقدمها الموازنة العامة!
الى هنا، ليس من يستوعب المخاطر التشريعية بالنسبة الى مواضيع من دون مواضيع اخرى اكثر اهمية ربما، لمجرد ان هناك من يصر على عدم حضور جلسات انتخاب الرئيس، اضافة الى ان المناخ العام في البلد يوحي بالمزيد من التعقيد، بدليل نشوء تكتلات ولقاءات متعارضة مع بعضها البعض، حيث اقل غياب مقصود عن جلسات مجلس الوزراء بما في ذلك استقالة احدهم ستكون المشكلة اكبر واشمل واسوأ من كل ما عداها. وعندها لن تكون رئاسة اولى كما لن يكون مجلس نيابي وحكومة؟!