يوماً بعد يوم تقترب المهلة الدستورية لإتمام الاستحقاق الرئاسي ولكن كما في كل الاستحقاقات الانتخابية في لبنان تطرح التساؤلات حول ما إذا كان هذا الاستحقاق سيحصل في موعده الدستوري وإن حصل فسيكون الأمر سابقة منذ أن ترك رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل منصبه في العام 1988.
في الدول التي تملك قرارها تجرى الاستحقاقات الانتخابية بسلاسة وفي مواعيدها وليس هناك من يعطل ومن يمدد ويجدد، لأن تلك الدول تحترم إرادة الناس وتحترم تداول السلطة وتعمل لخير شعوبها،علما أنه في دول ديكتاتورية يجرون أيضا انتخابات رئاسية وتشريعية في مواعيدها ولكن هدفها ليس تداول السلطة بل تثبيت الحاكم المطلق من خلال الإدعاء أن أكثرية تتراوح ما بين 95٥ إلى 99% ترغب في بقائه في السلطة.
في لبنان يبدو أنه يراد لمنصب رئاسة الجمهورية أمران:
الأول هو أن يكون تحت سيطرة كاملة لقوى الأمر الواقع ورعاتها في الإقليم وهذا ما يجري العمل عليه من قبل هؤلاء في الانتخابات الرئاسية المقبلة فـ»حزب الله» وحلفاؤه لا يريدون رئيس تسوية وطبعاً سيمنعون أي رئيس من الفريق الآخر، فهم يريدون رئيساً موالياً لهم 100% من دون أي زغل وكل ما هو خارج هذا الإطار هو مرفوض وسيسعون لفرضه بمختلف الوسائل حتى تلك التي تعتمد القوة.
الثاني هو أنه وفي حال عدم التمكن من الاحتفاظ برئيس الجمهورية كأداة طيعة في يد هذا الفريق فالاتجاه لديه هو إلغاء رئاسة الجمهورية بمعنى انتزاعها من المسيحيين الموارنة تحت ما يعرف بنظام جديد لا تناقش فيه سوى فكرة قوى الأمر الواقع ولا يسمح سوى بالقبول بها مع رفض لأي طروحات أخرى ومن ضمنها الفدرالية.
في الأمرين هناك فرقاء مسيحيون وتحديداً موازنة يساعدون في ذلك إنطلاقاً من مبدأين:
الأول هو الغاية تبرر الوسيلة، فهناك من يريد أن يكون رئيساً للجمهورية ولو في شكل صوري ويكفيه أن يؤمن له ولجماعته مصالحهم المالية والشخصية غير مهتم بمصير البلد ومصالحه واستقلاله وسيادته وحريته وقراره.
المبدأ الثاني هو عليَّ وعلى أعدائي فهؤلاء الساعون إلى الرئاسة كيفما كان، لن يتورعوا عن الإطاحة بالرئاسة كاملة من يد المسيحيين الموارنة إن لم تكن لهم حظوظ بتولي هذا المنصب ولن يتأخروا في الترويج لجماعاتهم المغسولة أدمغتهم «أننا تخلينا عن الرئاسة المنزوعة الصلاحيات وربما عن قيادة الجيش وعن حاكم المصرف المركزي مقابل مثلاً اللامركزية الإدارية الموسعة» فينتفي أي دور للمسيحيين على مستوى القرار السياسي والعسكري والمالي العام، وما يؤكد على ذلك أن هؤلاء يتحدثون بالمنطق ذاته عن الفدرالية كما تتحدث قوى الأمر الواقع، فيرفضونها ويخوِّنون من يطرحها والسبب في ذلك واحد فقط وهو أن الفدرالية تنتزع فعلاً من قوى الأمر الواقع السيطرة على البلد وتحفظ الخصوصية والمصلحة السياسية لأي وجود مسيحي حر.
انتخابات الرئاسة باب جديد لمواجهة فعلية ولتعرية من لا يريدون مصلحة لبنان واللبنانيين، ومن هنا فعدم اتفاق قوى المعارضة والسياديين على مرشح واحد للجمهورية هو الهدية التي تريدها قوى الأمر الواقع لتجهز على الرئاسة كموقع وكدور وهي حالياً في حال نزاع الموت فهل هناك من يتجرأون على رد الروح إليها؟