الرابية تسمي الضابطين المسيحيَّيْن.. والحكومة يكتمل نصابها
عون تَراجَع ليقتحم: الرئاسة ستحسم قريباً
لا ينتظر مجلس الوزراء المزيد من جولات «الممانعة» العونية التي ستفضي إما الى مقاطعة وزراء «التكتل»، بدعم من «حزب الله»، وإما الى الحضور ومقاطعة جدول الاعمال. بتأكيد مصادر ميشال عون «عقدة التعيينات الامنية قد حلّت نهائيا مع إعطاء الرابية حق تسمية العضوين المسيحييْن في المجلس العسكري. ومجلس الوزراء المقبل سيقرّ الأسماء. المرحلة فعلا هي مرحلة التفعيل الحكومي.. بانتظار حسم ملف الرئاسة قريبا».
بين هذا الموقف ومواقف الرابية السابقة، التي ربطت اي موافقة على أي بند أو توقيع اي مرسوم في مجلس الوزراء بتعيين قائد جيش ومدير عام قوى أمن داخلي وملء الشغور في المجلس العسكري ومجلس القيادة، فرق شاسع.
الرابية تنادي اليوم بالتفعيل أكثر من اي فريق سياسي آخر. وبعد ان قبلت بـ «تجزئة» المطالب، تبشّر أوساطها بأن المسار الرئاسي لن يقفل إلا على النهاية «الصحّ»: هي الفرصة الاستثنائية والتاريخية التي تمنح اللبنانيين إمكانية انتخاب رئيس الجمهورية من دون استنفار أساطيل العالم المشغولة أصلا بأزماتها. وها هم المروّجون لتوافق اقليمي دولي على «المبادرة الباريسية» يتراجعون عن أقوالهم. «البازل» يأخذ شكله الصحيح تدريجا، والتتويج سيكون بفتح ثغرة أساسية في ملف الرئاسة عبر تأمين التوافق المسيحي على ميشال عون رئيسا للجمهورية.
اكثر من مرة خَرَق «التيار الوطني الحر» وحلفاؤه تعهداتهم السابقة بعدم البحث في جدول أعمال مجلس الوزراء قبل بتّ التعيينات الامنية، على رأسها تصحيح الخلل القانوني بالتمديد المتكرّر لقائد الجيش. على مراحل، غضّوا النظر عن أكثر من ملف ملحّ، تارة بغيابهم وتارة بحضورهم، من إقرار بند دعم الصادرات الزراعية بالغالبية من دون الالتزام بآلية توقيع الـ24 وزيراً، الى مستحقات المستشفيات وإلغاء مناقصات النفايات وإقرار 100 مليون دولار لعكار وبند الرواتب وتأمين التغذية للجيش وإجازة إصدار سندات الخزينة بالعملات الاجنبية…
وتدريجا تخلّى ميشال عون عن مصطلح الحكومة الانقلابية «التي ستقودنا الى الانفجار»، وصار يتعاطي ببراغماتية أكبر مع التطورات الداخلية. سقطت تسوية شامل روكز، وعاد «الجنرال» الى المربع الأساس. رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب. دخلت الحكومة في كوما التعطيل نحو ثلاثة أشهر الى حين التئام مجلس الوزراء في 21 كانون الاول حيث أقرّ خطة ترحيل النفايات. أتت هذه الخطوة التي بصم عليها وزراء عون بالتزامن مع تعطّل مفاعيل المبادرة الرئاسية لسعد الحريري بدعم ترشيح النائب سليمان فرنجية إلى الرئاسة، لتستكمل لاحقا بوعد عوني واضح وصريح: لسنا هواة تعطيل، ولن نقف حجر عثرة أمام تفعيل الحكومة وبتّ الملفات الحياتية الضرورية.
هذا ما ترجم بشكل مباشر في جلسة الخميس الماضي، إذ قدّمت الموافقة العونية المسبقة على كل البنود المطروحة على جدول الاعمال من دون التوقف عند حاجز الآلية و «المكوّنات»، على أن تشكّل الجلسة المقبلة محطة حاسمة في بتّ الاسماء الثلاثة في المجلس العسكري، مع العلم أنها ستؤجّل الى ما بعد عودة رئيس الحكومة تمام سلام من المؤتمر الاقتصادي في «دافوس».
من ضمن المداولات التي سبقت جلسة يوم الخميس، تصرّفت الرابية على أساس وقائع مستجدّة تكيّفت معها بشيء من الايجابية. لا أحد بوارد أو قادر على إعطاء ميشال عون ضمانات بشأن قيادة الجيش بعد انتهاء الولاية الممدّدة للعماد جان قهوجي. حكوميا وقانونيا هناك استحالة اليوم بتعيين مجلس عسكري بكامل أعضائه من ضمنهم رئيسه، اي قائد الجيش. أما سياسيا فالملف الرئاسي يطغى على ما عداه، وحسمه كفيل بفتح ابواب الحلول لسائر المسائل العالقة.
مقاربة مغايرة قادت عون الى مزيد من المرونة عبر تجزئة المطالب. ملء الشغور في المواقع الثلاثة الشاغرة فقط في المجلس العسكري. وفيما حاول الرئيس ميشال سليمان بشكل أساس وضع عصي في دواليب التسميات وإصرار القيادة على تظهير موقعها المؤثر في هذا النوع من الاستحقاقات، فقد تجنّب عون فتح النار صوب من «يزاركه» في ملعبه. أوساطه تؤكّد «ان الموضوع بحكم المنتهي، ومجلس الوزراء سيبتّ الموضوع»!
تقسيط المطالب قاد بدوره عون الى غضّ النظر عن مطلبه السابق بتعيين مدير عام قوى الامن الداخلي وملء الشغور في مجلس القيادة فاقد النصاب والذي يمارس غالبية أعضائه مهامهم بالوكالة. أدرك عون ان الكرة في ملعب وزير الداخلية نهاد المشنوق. الأخير يربط ملء الشواغر في مجلس القيادة بتعيين مدير عام قوى الامن. والرابية تربط هذا التعيين بتعيين قائد جيش. استحقاق اليرزة مؤجّل على ما يبدو الى ما بعد الرئاسة، وبالتالي ملف قوى الامن دخل مدار التأجيل أيضا.
هذه المرونة الظاهرة حيال الملف الحكومي، تقابلها رؤية عونية أكثر وضوحا في الملف الرئاسي. في الرابية تقال الامور كما هي لتصل الى لبّ الموضوع: مبادرة الحريري الرئاسية لم ترَ النور اصلا لتسقط. الموضوع اصطدم سريعا بحاجزين: ممانعة حليف سعد الحريري المسيحي، وممانعة الفريق المستترّ الذي ظنّ الاخير أن المبادرة ستقود الى التسوية معه، اي «حزب الله».
وبعكس كل المناخات التي تروّج لوضع الملفّ الرئاسي في الثلاجة بعد سقوط ترشيح فرنجية من جانب الحريري، فإن أوساط عون تقرأ الامور من زاوية مغايرة تماما مفادها: التطوّرات المتلاحقة أدّت الى فتح ثغرة أساسية في الرئاسة عنوانها ترشيح سمير جعجع الوشيك لميشال عون. واقع مستجدّ كهذا، يستحيل، برأي الرابية، تجاوزه والقفز فوقه. سبق لسعد الحريري حين اطلق مبادرته الرئاسية قبل نحو عامين أن نادى بالتوافق المسيحي «ونحن نمشي». وهو قرار أبلغه شخصيا لميشال عون خلال لقائه به في روما. الرئيس نبيه بري من دعاة التوافق المسيحي. النائب فرنجية يبصم. «حزب الله» موقفه معروف ومعلن. حتى البطريرك بشارة الراعي من المنادين بهكذا توافق وعندها سيتبرّع شخصيا، كما قال، بدعوة الحريري الى احترام الرغبة المسيحية.
ثمّة قناعة عونية بأن لا فيتو سنيا على «الجنرال»، وإلا لماذا بادر اصلا الحريري باتجاه عون، فيما ليس من مصلحة «تيار المستقبل» الرهان أكثر على الفراغ، خصوصا على ضوء التطوّرات السورية المتسارعة. والأهمّ ان محيط عون يرى ان السعودية لن تنكر سمير جعجع وترذله في حال سار بخيار «عون رئيسا». هناك مسار قائم ومستمر بدأ بـ 23 نيسان 2014 بترشيح سمير جعجع، ثم فتح الأبواب الرئاسية مع ميشال عون لنصل الى لقاء 17 تشرين الثاني 2015 في باريس.
يقول متابعو هذا المسار «يستحيل اليوم ان يخرج أحد من معادلة المفاضلة بين عون وفرنجية. وترشيح جعجع للاول سيكون حاسما في تثبيت البوصلة الرئاسية. إنه المسار الملزم لعودة آمنة لسعد الحريري الى السرايا والذي لن يكون منفصلا عن سلّة توافقات على رأسها قانون الانتخاب».