IMLebanon

الرئيس والدستور

 

أبرز المآخذ على رئيس الجمهورية، ما يردّده المتظاهرون مرات عديدة منذ انطلاق هذه الانتفاضة الكبيرة هو أنّه لم يرفع الحصانة عن فلان وفلان، ولم يبادر إلى تشكيل حكومة جديدة، ولم يطبّق المادة الثامنة من الدستور التي يقولون إنها  تنص على اعتبار الحكومة مستقيلة بعد احتجاجات تستمر ثمانية أيام، وأنه بعد هذه المدّة يُعتبر مجلس النواب ساقطاً والسلطة كلها مستقيلة الخ…

 

إنّ هذه المأخذ تنم عن عدم معرفة بالقوانين والأنظمة وعن جهل مطبق بأحكام الدستور الذي هو ومواده في متناول الجميع. ناهيك بالاتهامات التي يوجهها معتصمون ومتظاهرون في حق أفراد وهيئات وزعامات وقيادات… ونحن لا نبرئ أحداً ولكننا في الوقت ذاته يعز علينا أن يبني الكثيرون مواقفهم بناء على شائعات بينما لديهم سلّة كبيرة من المآخذ التي يمكن أن تنطلق منها الهتافات والمواقف والانتقادات وحتى الهجومات…

 

ونعود الى المآخذ على رئيس الجمهورية.

 

أوّلاً – يفوت الكثيرين المنتشرين والمعتصمين في الساحات والميادين وبينهم قاطعو الطرقات كذلك وحارمو اللبنانيين من أن يعيشوا حياتهم بالحد الأدنى… نقول: يفوت هؤلاء أنّ الدستور اللبناني الذي جرى  تعديله في مطلع التسعينات انطلاقاً من اتفاق الطائف قد سلخ من رئيس الجمهورية معظم الصلاحيات التي كانت له منذ الاستقلال وحتى العام 1990، وبالتالي فالرئيس لم يعد يملك حتى حق التصويت في مجلس الوزراء. فقط هو يوقّع  القوانين والمراسيم… وحتى لو تمنع عن التوقيع فهذه تصبح  سارية المفعول ونافذة في مهلة تراوح بين خمسة عشر يوماً وشهر.

 

 

ثانياً – لبنان في نظام ديموقراطي برلماني، حتى ولو كان تطبيق الأنظمة والقوانين ليس مثالياً. فأن يقول بعضهم إنه ضدّ الرئيس عون لأنّه لا يبادر إلى إقالة الحكومة وتشكيل حكومة أمر واقع (عسكرية أو مدنية الخ…) فهذا كلام ينم عن عدم معرفة فاقع! فالجنرال ميشال عون ليس معمر القذافي ولا حسني مبارك ولا صدام حسين… أقلّه لأنّ الدستور لا يسمح له أن يكون ديكتاتوراً. وبالتالي فهناك آليات نص عليها الدستور  لاستقالة الحكومة ولتشكيل حكومة بديلة. وجلّ ما يمكن أن يفعله الرئيس هو أن يتفق مع رئيس الحكومة على هذه الآلية، ولاحقاً مع المجلس النيابي من خلال الاستشارات النيابية (…). وهذا ما تدور المحادثات حوله جدّياً.

 

ثالثاً – وأمّا حياكة الأساطير حول المادة الثامنة من الدستور فهي بعيدة بعداً كاملاً عن الواقع فالنص الدستوري لا يأتي من قريب أو بعيد على الأيام الثمانية… والغريب أن بعض من يتحدث بهذه الأسطورة مهندس أو معلّم مدرسة أو أستاذ جامعي! (كما يعرّفون عن أنفسهم أمام الكاميرات).

 

طبعاً ليس مفترضاً أنّ يكون كل فرد من أفراد المجتمع ملماً بالمواد الدستورية… ولكن يُفترض بمن يجهل الموضوع ألاّ يتحدث فيه!