فخامة الرئيس، بأيّ منطق يحقّ لكم أن تحكموا ولا يحقّ لنا أن نتكلّم؟ وبأيّ منطق يحقّ لكم أن تقرّروا ولا يحقّ لنا أن نعارض؟
أنتم ونحن لبنانيون منذ أكثر من عشر سنوات، وأنتم ونحن نبحث عن الجمهورية منذ عشرات السنوات، ومن المستحيل أن يجد كلّ واحد فينا جمهورية تناسبه ومطرّزة على مقاسه. فإمّا الجمهورية تكون لجميع أبنائها بالتساوي أو عمرها ما تكون.
ولو كانت الجمهورية مجرّد إسم بلد وعلم ملوّن وحدود جغرافية مرسومة على خرائط، ولو كانت الجمهورية مجرّد دساتير وقوانين وتشريعات مطبوعة على ورق، لَما رضي شعب في العالم أن ينتمي إلى دولة، ولما رضي أن يعتزّ بها ويحامي عنها. وكيف يمكن للشعب اللبناني أن يتغنّى بجمهورية لا تلتفت لحقوقه، لا تستمع لصوت معدته، لا تتحسّس وجعه، لا تستطعم الظلم المفروض عليه، ولا تشتمّ المخاطر التي تدهم حياته؟
كم كنّا نتمنّى أن يتدفّق حبّنا لهذا الوطن واحترامنا لكم قرارات جارفة من قصر بعبدا تُغرق الفاسدين وتخنق السارقين وتمحي الزعران، لأننا كنّا نستمع إلى خطاباتك وتهديداتك ومشاريعك الإصلاحية، وكم كنّا ننتظر اليوم الذي ستصل فيه إلى الحكم حتى تتحقّق أحلام شباب آمنَ بالتغيير وببناء بلد لا يتّسع لطموحاته. لكننا حتى اليوم لم نسمع بدخول سارق إلى السجن، ولا بتوقيف فاسد، ولا بمحاكمة نائب أو وزير أو رئيس حزب، ولا بملاحقة من يهرّب طحيننا ومازوتنا وخيراتنا، وما أكثرهم وما أوضح أسماءهم وملامح وجوههم، وما أفظع جرائمهم وتعدّياتهم على حقوق الناس. لماذا إذاً لم يتمّ بناء الجمهورية؟
في الجمهورية هناك حقوق مقدّسة للناس، أمّا في لاجمهورية لبنان هناك شعب جائع لا يحقّ له أن يصرخ، وهناك شعب سُرقت أمواله ومدّخرات حياته ولا يحقّ له أن ينتفض، وهناك شعب يتفرّج على أحلامه ومشاريعه تتبخّر ولا يحقّ له أن يثور، وهناك شعب لم يعد يملك ثمن ربطة خبز ولا يحقّ له أن يشتم، أو حتى أن يتكلّم.
في الجمهورية هناك جيش يسهر على أمن الحدود وشرطة تحافظ على أمان الناس، ولكن في لاجمهورية لبنان أصبح الجيش ناظر مدرسة يؤنّب الشبّان والصبايا الموجوعين على بلدهم والخائفين على غدهم. وأصبحت الشرطة «بعبعاً» يتنطّط من مكان إلى آخر ليرمي قنابل مسيّلة للدموع على شعب جفّت دموعه من كثرة البكاء على وجع فرضته عليه الطبقة الحاكمة، وأحزاب الذئاب المتمسكنة بثياب خواريف المعارضة، فيما تقف القوى الأمنية والعسكرية متفرّجة على من خَرّب بيروت، ومن أحرق المصارف، ومن تعدّى على الأملاك العامة والخاصة، وعلى من هدّد وشتم وضرب الناس العزّل.
في الجمهورية هناك جهات أمنية تضبط الحدود، وجهات اقتصادية تضبط الأسعار، وجهات قضائية تضبط الفساد، وجهات سياسية تضبط الشارع. لكن في لاجمهورية لبنان غاب ضابط الإيقاع، وفلت ملقّ المهرّبين والتجّار والفجّار، وأصبح نصف الشعب اللبناني يعيش تحت خطّ الفقر، ووصلت معدّلات البطالة إلى أرقام قياسية غير مسبوقة في تاريخنا الحديث، وحتى الذين حافظوا على وظائفهم خسروا نسبة كبيرة من مرتّباتهم ومعها نسبة أكبر من قدرتهم الشرائية… والأنكى أنّ المسؤولين يخطبون ويتوعّدون ويهدّدون، يتكلّمون ويتكلّمون ولكن أحداً لم يتحرّك، فأصبح كما لو أنّ الطبقة السياسية تعيش في هاواي وتقيس قراراتها على حسب حال البحر هناك. وبات من المؤكّد أنّ هذه الطبقة لا تملك أدنى فكرة عمّا يعيشه الناس، خصوصاً أنّ رئيس وزراء هذه اللاجمهورية نشيط في الخطابات وبليد في الإنجازات، ولا نذكر من مسيرته حتى الآن سوى مشط في مناسبة رسمية.
فخامة الرئيس، الشعب أصبح يعيش في لاجمهورية لبنان، يجلس على قارعة الوعود ينتظر وصول المجاعة والانهيار الكامل والفقر، ويبكي على اليوم الذي سيضطرّ فيه إلى مدّ يده من أجل لقمة لأولاده أو دواء لأحبابه، ويتحسّر على حلول واضحة مستلقية على مدّ النظر ولا من يعيرها أيّ اهتمام، ويختنق في المساء لأنه سيستفيق على غد أفظع.
في لاجمهورية لبنان، الأحزاب تعيش في الماضي، والشعب يموت في الحاضر، والمسؤولون نيام، يحلمون بمستقبل يورثون فيه أولادهم السلطة ويسرقون من الناس اللقمة…
فلا شيء تغيّر ولا وعد تحقّق. الانهيار سبق وعودكم والجوع أكل خطاباتكم، ولا يمكن لكثرة غضبنا أن يظلم الجمهورية أكثر مما ظلمتها قلّة أفعالكم.