IMLebanon

رئيس قمة بحجم عون يرفع الجميع ولا يسقط لا في الاردن ولا في لبنان

ألهت حادثة سقوط رئيس الجمهورية ميشال عون أرضاً على المنصّة الرئيسية خلال التقاط الصورة التذكارية لقادة القمّة العربية الـ 28 التي عقدت الأربعاء في البحر الميت في الأردن، وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي، عن أهمية مشاركة 17 ملكاً وأميراً ورئيساً وزعيماً عربياً فيها، وعمّا جاء في مضمون الكلمات التي ألقوها خلالها. فسارعت الى نشر الخبر والتعليق عليه بعبارات قوية مثل «سقوط عنيف»، «سقوط محرج»، و«أغرب سقوط يتعرّض له رئيس» وما الى ذلك، وكأنّه يُمكن الشماتة من زلّة القدم؟ علماً أنّ حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم الأصغر سنّاً من الرئيس عون قد تعرّض كذلك للسقوط من على سلّم الطائرة أثناء وصوله الى الأردن.

صحيح أنّ الرئيس عون سقط لأنّه لم يرَ ربما الدرجة المستحدثة لتظهر وجوه القادة الذين يقفون في الصفّ الخلفي، على ما تقول أوساط ديبلوماسية مواكبة، غير أنّ سقطته هذه لا تعني مطلقاً سقوطه سياسياً، ولا سقوط بلده لبنان، على ما سارع بعض الخبثاء لتفسيره، إذ لا علاقة لحادثة عَرَضية لما يمثّله الرئيس عون من مكانة ولما حمله الى القمّة من رسائل تحذيرية في كلمة لبنان، ولما أعطته مشاركته والوفد المرافق فيها من مدلولات حول أهمية استعادة لبنان لدور المؤسسات الدستورية فيه، وحفاظه على أمنه واستقراره وسيادته رغم تداعيات أزمات دول الجوار عليه.

فرجل «قمّة» مثل الرئيس عون، على ما أضافت الاوساط، خاطب وجدان الزعماء العرب الذي يتغاضى في أوقات كثيرة عن الأزمات التي تعصف في بعض دول الجامعة، لا يُمكن أن يسقط. ولبنان وحده بصغر حجم مساحته وضعف إمكاناته المالية الذي يتحمّل عن الدول العربية وزر النزوح السوري واللجوء الفلسطيني لا ولن يسقط. لقد نادى العرب الى التخفيف من بؤس النازحين وخلاصهم من قساوة هجرتهم القسرية وتجنيب لبنان التداعيات الإجتماعية والإقتصادية والأمنية والسياسية نظراً للازدياد المضطرد في أعدادهم من خلال عودتهم الآمنة الى ديارهم، قبل أن يغرق لبنان في الأعباء ويصبح النزوح واللجوء خطراً عليه، فهل سيجد آذاناً صاغية؟ّ علماً أنّ دول الجامعة العربية التي تختلف فيما بينها على حلّ الأزمة السورية، ولا يعنيها نزوح السوريين الكثيف الى دول الجوار (باستثناء الأردن ومصر والعراق التي تستضيف أعداداً منهم)،  لا تتفق سوى على القضية الفلسطينية. غير أنّها رغم ذلك لم تستقبل، باستثناء الأردن، أي لاجىء فلسطيني على أرضها، كما أنّها لم تقدّم لهم ولقضيتهم أي شيء ملموس خلال معاناتهم التي تستمرّ منذ عقود طويلة.

عَلَمٌ بحجم الرئيس عون، حذّر من أنّ خطورة المرحلة تحتّم علينا أن نقرّر اليوم وقف الحروب بين الأخوة بجميع أشكالها، والجلوس الى طاولة الحوار، لتحديد المصالح الحيوية المشروعة لكلّ فريق واحترامها «وإلا ذهبنا جميعاً عمولة حلّ لم يعد بعيداً سيفرض  علينا»، لا يسقط بل يُعلّم الساقطين وسواهم، وإن بدا متواضعاً بقوله أنّه لم يأت الى القمّة ناصحاً أو مرشداً بل متسائلاً الى متى ستبقى القمم العربية من دون مقرّرات عملية، الأمر الذي يؤدي الى ازدياد خيبتنا (كعرب) خيبة وطعم المرارة مرارة.

لقد جاء الرئيس عون، على ما أفادت الأوساط نفسها، الى القمّة العربية مخاطباً وجدانه وجدان القادة العرب «علّنا نستفيق من كابوس يقضّ مضاجعنا»، على ما قال، مذكّراً إياهم أنّه «مع الأسف الشديد، فإنّ أصوات الإنفجارات ومشاهد القتل تطغى على أي موضوع آخر، لهذا لم أستطع أن أنزع من مخيّلتي الغيمة السوداء التي تُخيّم على أجوائنا العربية»، وقوله هذا يكفي ليظهر الرئيس عون قمّة في الإنسانية وتقاسم المعاناة مع الفلسطينيين من جهة، والسوريين والعراقيين وسواهم من جهة أخرى.

رئيس مثل العماد عون أبدى استعداده، بما له من علاقات طيبة مع جميع الدول العربية الشقيقية، للمساعدة في إعادة مدّ الجسور واحياء لغة الحوار، منطلقاً من تجربة اللبنانيين الذين عاشوا حروباً متنوعة الأشكال لم تنته إلا بالحوار، ودعا الجامعة الى استعادة دورها ومهمّتها في إعادة لمّ الشمل العربي وإيحاد الحلول العادلة في الدول الملتهبة لتحصين الوطن العربي، بدلاً من انتظار الحلول لكي تأتينا من الخارج، لا يمكنه، على ما أكّدت، إلاّ أن يحظى بإعجاب وتقدير الجميع.

أمّا رسالة الرؤساء الخمسة، على ما سُميت، التي وجهت الى الأمانة العامّة لجامعة الدول العربية لتسليمها إلى قادة الدول المشاركة في القمة، وأبلغوا مضمونها إلى الرئيس عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحكومة سعد الحريري، وتمحورت حول التأكيد على «اتفاق الطائف، والتأكيد على التزام القرارات الدولية ولا سيما القرار 1701، والسلاح غير الشرعي، وإعلان بعبدا، والنأي بالنفس وبسط سلطة الدولة ووقف التدخّلات الخارجية في الأزمة السورية»، فهي بحسب رأي الاوساط، لا تعبّر سوى عن مواقف أصحابها كرؤساء جمهورية أو حكومة سابقين. وقد ذكر الرئيس برّي أنّها «مردودة بالشكل»، أي أنّه يرفضها، مذكّراً بأنّ 13 قمّة عربية سابقة أكّدت على ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة وعلى تحرير الجنوب. فيما وصف النائب علي عمّار رسالة الرؤساء الخمسة الى القمّة بـ «العبوة الخبيثة من خمسة عبيد زغار وذات المنشأ الخارجي».

ولهذا فإنّ رسالة كهذه لم تلعب أي دور في التشويش على كلمة لبنان التي ألقاها الرئيس عون خلال القمّة العربية ولا على مضمونها، على ما شدّدت الاوساط، علماً أنّ الكثيرين رأوا فيها خبثاً والتفافاً على مواقف رئيسي الجمهورية والحكومة. كما وأنّها أرادت التلميح أمام القادة العرب الى أنّ موقف لبنان الداخلي ليس موحّداً ولا يُمثّله رئيسا الجمهورية والحكومة، في حين أن الحقيقة مغايرة لما تمنّاه مرسلوها، سيما وأنّها تدخل في باب «تبييض الوجه» مع بعض قادة الدول العربية.