IMLebanon

رئيس الجمهورية هو المسؤول!

 

ليس التنقل السياسي والجغرافي لقادة الثورة الإسلامية في إيران بين بغداد ودمشق وبيروت هو المؤشر الوحيد الى العمل الحثيث والمتواصل لبناء محور المقاومة والممانعة والحفاظ على مكوناته وتقويتها وتمتين عناصرها لتحقيق المواجهة المشتركة مع القوى الإقليمية والدولية من واشنطن إلى أنقرة إلى الرياض.

 

وليس تسمية الساحات والجادات ورفع أقواس النصر والصور والشعارات أو بناء التماثيل لرموز الثورة وقياداتها أيضاً المؤشر الوحيد الى التوسع نحو تلك الساحات من النواحي الثقافية والفكرية بالإضافة طبعاً إلى النواحي السياسية والعسكرية الأمنية.

 

بالنسبة للبنان، المسألة أعمق من ذلك وأكثر تعقيداً. المشكلة أن الهامش السياسي الذي كان موجوداً في الحقبة السابقة (ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان على سبيل المثال) بين الموقف الرسمي اللبناني ومواقف قوى الممانعة في لبنان ضاق إلى حدوده الدنيا، إن لم نقل إنه لم يعد موجوداً بالمطلق.

 

للتذكير، كان ثمة خطاب لبناني رسمي يعكس الثوابت اللبنانية التاريخية (حتى ولو كان محط خلاف سياسي في العديد من المراحل) لناحية عدم الانخراط في سياسات المحاور الإقليمية أو نزاعاتها بالنظر إلى الإنقسام المحلي حيال الموقف من تلك المحاور ودورها وحساباتها ومصالحها، وبالنظر أيضاً إلى حجم التأثر الكبير من قبل قوى داخلية لبنانية بهذا الفريق أو ذاك.

 

وهذا الهامش ذاته هو الذي أتاح متنفساً من الاستقرار السياسي وجانباً من الرخاء الاقتصادي (الذي لطالما كان هشاً ومصطنعاً بالنظر إلى طبيعة النظام الاقتصادي اللبناني الريعي والاستهلاكي)، ولكن هذا الهامش سقط بصورة شبه نهائية.

 

إن إسقاط النقاش حول الإستراتيجية الدفاعية (التي كان وعد رئيس الجمورية ميشال عون بإطلاقها بعد الإنتهاء من الانتخابات النيابية)، لا بل التساؤل عما إذا كان ثمة حاجة فعلية للتوافق عليها أساساً يقدّم مثالاً حياً على تراجع السلطة للانضواء في كنف المقاومة، إذا صح التعبير، عوض أن يحصل العكس!

 

صحيحٌ أن الظروف الإقليمية قد لا تكون مؤاتية لفتح هذا النقاش الهام، ولكن الإقرار الرسمي النهائي باستدامة الوضع القائم يطرح الكثير من علامات الاستفهام حيال المسار المستقبلي لهذه القضية التي قد لا يتوفر الحل النهائي لها إلا بإعادة النظر بالصيغة السياسية القائمة راهناً كثمنٍ للتسوية الجديدة بحيث تُبنى على عناصر جديدة مغايرة تماماً لما هو قائم حالياً.

 

إن التطابق الكامل من قبل قوى لبنانية سياسية مع هذا الواقع القائم توسلاً لمصالح سياسية فئوية وذاتية، أو التغاضي عنه من قبل قوى أخرى، أو الصمت حياله من قبل أطراف أيضاً، معطوفاً على الواقع الإقليمي المستجد الذي فرضته التدخلات الدولية في الحرب السورية؛ يؤكد أن ليس ثمة حل في ظل هذه المعطيات وهذه الموازين من القوى.

 

في هذا الوقت، أليس مطلوباً من القوى السياسية التي تتمتع بفائض القوة وتفاخر به أن ترسم لنفسها دوراً يتلاءم مع نفوذها، فتسحب دعمها مثلاً عمّن كلّف الخزينة اللبنانية نحو 40 مليار دولار من الخسائر في قطاع الكهرباء؟ لا بل لماذا بالكاد يُقارب هذا الموضوع قياساً إلى قطاع الاتصالات على سبيل المثال (الذي يشكل بدوره مثالاً في الهدر والفساد رغم أهمية مداخيله المالية إلى الخزينة والتي يمكن لها أن تتضاعف في حال تحسنّت إداراته وشفافيته).

 

هناك عهد رئاسي مسؤول عن كل ذلك ولا يمكن أن يُعفى من المسؤولية السياسية وغير السياسية. إنه العهد الذي تدهورت فيه كل علاقات لبنان الخارجية، وتطابقت سياسته الخارجية مع سياسة أحد أطرافه، وانهارت العملة الوطنية، وأقفلت المؤسسات والشركات، وارتفعت نسبة البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، ووصل الانكماش الاقتصادي إلى درجات عالية، فضلاً عن الإذلال اليومي للمواطنين أمام أبواب المصارف لنيل ذاك القسط البسيط من مدخراتهم وجنى أعمارهم.

 

غريبٌ وضع الرئاسة الأولى فوق المحاسبة والمساءلة، فرئيس الجمهورية اللبنانية لا يحتل منصباً صورياً أو رمزياً كما هي الحال مع بعض الديموقراطيات كملكة بريطانيا أو الرئيس الألماني على سبيل المثال. بل له دوره وصلاحياته ويترأس جلسات مجلس الوزراء ويشارك في صنع قراراته ويوجهها ويدعو لاجتماعات إقتصادية ومالية وأمنية في قصر بعبدا… إذاً هو مسؤول، ولو لم يكن المسؤول الوحيد!

 

بالمناسبة، لماذا حيدت الثورة ولا تزال تحيّد هذا الموقع، سؤال يستحق الإجابة؟