شهد الأسبوع المنصرم جولة من المؤتمرات الصحافية، إفتتحها الوزير السابق سليمان فرنجية، واختتمها الأحد الوزير السابق جبران باسيل.
خَلُصَ الوزير فرنجية إلى مطالبة رئيس الجمهورية بالاستقالة، فيما شدّد الوزير باسيل على استكمال ولاية الرئيس وإتمامها.
بالتالي، يُطْرَح السؤال، هل يُمكِن إقالة رئيس الجمهورية، أم إرغامه على تقديم استقالته من قبل مجلس نيابي مُنتخَب، وضمن أي شروط؟
بالعودة إلى أحكام الدستور يتبيّن جليّاً، أنّ تحوّلاً جذريّاً طرأ على دَور رئيس الدولة بعد «اتفاق الطائف»، ويظهر ذلك في الموقع الجديد والذي مُنِحَ لرئيس الجمهورية، الذي كرّسته أحكام المادة /49/ من الدستور.
فالمادة /49/ من الدستور نَصّت حرفيّاً، على أنّ رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يَسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه…
ويَعْتَبِر العلّامة شبلي الملّاط أنه، وخلافاً لِما هو سائد لدى الرأي العام، ما زالت رئاسة الجمهورية الموقع الأساسي دستوريّاً في البلاد، خلافاً للاعتقاد المُتداول.
فصحيحٌ أنّ دستور «الطائف» كرّس الموقع الحيادي لرئيس الدولة كَحَكَمٍ بين السُلطات الدستورية، لكن الدستور مَنَحَه أيضاً العديد من الصلاحيات التي تُجيز له التدخّل لضبط أداء السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفقاً لِما هو معمول به في الأنظمة البرلمانية.
فرئيس الجمهورية يبقى مَنْ يُسمّي رئيس مجلس الوزراء (رغم الإستشارات المُلزمة) ومَنْ يُوقّع مرسوم تشكيل الحكومة (الفقرة الرابعة من أحكام المادة /53/ من الدستور) ويُصدِر مُنفرداً مراسيم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مُستقيلة (الفقرة هـ).
كذلك، يبقى مَن يُصدِر المراسيم العادية (المادة /54/ من الدستور) وغيرها من الصلاحيات المحفوظة للرئيس دستوراً.
وبالتالي، عندما يَنتخب المجلس النيابي رئيس الجمهورية، عملاً بأحكام المادة /49/ من الدستور، لولاية كاملة مدّتها 6 سنوات، يكون هذا المجلس في سياق إتمام «العمل الأكثر نُبلاً» (L’acte le plus noble).
فصحيح أنّ انتخاب رئيس الجمهورية في مجلس النواب من شأنه إضعاف صفته التمثيلية، كَونه لم ينتخب من هيئة إنتخابية أوسع، أو حتى من الشعب، إلّا أنّ ذلك يأتي متوافقاً مع قواعد النظام البرلماني العادي. وبهذا الخصوص يقول شارل رزق: «انّ الصفة التمثيلية لرئيس الدولة تبقى أقوى وأهمّ من الصفة التمثيلية للنائب، لأنه عندما يجتمع مجلس النوّاب لانتخاب رئيس الجمهورية، فإنه يعكس البنية التعدّدية الطائفية للوطن.
(موقع رئيس الجمهورية ودوره في النظام السياسي اللبناني)
(للدكتور أنطوان سعد- منشورات الحلبي- ص /466/).
مما يُفيد، أنّ الدستور نَصّ صراحة على طريقة وآلية انتخاب رئيس الجمهورية، ودَوره ومهماته وصلاحياته، ولكنه لم يَنصّ مُطلقاً على أي آلية أو إمكانية لإقالته، أو تقصير ولايته على الإطلاق.
تكلّم الدستور عن حالات استقالة الحكومة، أو اعتبارها مُستقيلة، في المادة /69/ منه، ونظّم مرحلة الفراغ بين تاريخ استقالتها أو اعتبارها مُستقيلة، وتشكيل حكومة جديدة، إن كان لجهة تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق (الفقرة الثانية من أحكام المادة /64/ من الدستور)، وإن كان لجهة اعتبار مجلس النواب حُكماً في دورة انعقاد استثنائية، حتى تأليف حكومة جديدة ونَيْلها الثقة (الفقرة الثالثة من أحكام المادة /69/ من الدستور).
وأيضاً، تكلّم الدستور في المواد /55/ و/65/ و/77/ من الدستور عن حالات طلب حلّ مجلس النوّاب، وآلية وشروط ذلك.
لكنّ الدستور لم يأتِ على ذِكر أي حالة تتعلّق بإقالة رئيس الجمهورية، أو تقصير ولايته، إنما فقط تناوَلَ صراحةً حالة انتخاب الخَلَفْ عند خُلو سدّة الرئاسة، بحيث نصّت المادة /74/ من الدستور على ما حرفيّته:
«إذا خَلَتْ سُدّة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس او استقالته أو لسبب آخر، فلأجل انتخاب الخَلَفْ يجتمع المجلس فَوراً…».
وبالتالي، تطرّق الدستور إلى حالة وفاة الرئيس (لا سمح الله) أو استقالته الطوعية، أو أي سبب آخر يُقدّر في حينه، من دون سواها من الحالات.
مما يُفيد أنه وحتى لو أُجريَت انتخابات نيابية مُبكِرة، وانبثق من هذه الانتخابات مجلس نيابي جديد، فإنّ هذا المجلس يبقى عاجزاً عن إقالة رئيس الجمهورية، الذي يستمرّ في ولايته حتى انتهائها، من دون أي اجتهاد أو تفسير على الإطلاق.
فَعَدا الإستقالة الطوعية، ومشيئة الرّب. فلَن تقوى على موقع الرئاسة الأولى الصعاب.