«المبررات العراقية» ليست كافية وحدها لتفسير التأخير في تشكيل الحكومة اللبنانية. وفي الاستعانة بهذه المبررات إحالة إلى التشابه بين العراق ولبنان، ليس فقط في الانقسامات الطائفية والقومية والمناطقية، بل في التأثيرات الخارجية أيضاً، فالبلدان «ينعمان» بنفوذ إيراني وازن، وبعلاقات وطيدة مع الغرب خصوصاً أميركا وينظران بترقب إلى تنامي الدور الروسي على الأرض السورية.
وفي أبواب التشابه ما تلقفه سياسيون وإعلاميون لبنانيون، باتوا يتحدثون مثل الأشقاء العراقيين، عن مكونات وأطياف وشرائح وصولاً إلى استباق لقب الدكتور في الجامعة بلقب الحاج تشريفاً.
لكن العراق يختلف مع ذلك عن لبنان، في الدستور وآليات تطبيقه وفي قانون الانتخابات العامة، ما يجعل طريقة اختيار رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس النواب أقرب إلى انتخاب رؤساء دول ثلاث في الدولة الواحدة، كل واحد منهم تختاره طائفته أولاً ليحظى لاحقاً بنعمة دعم الآخرين.
هذه الآليات يفترض آن تكون مبتوتة في لبنان، بمقتضى الدستور المنبثق من اتفاق الطائف وروحية وثيقة الوفاق الوطني وقبلها الميثاق الوطني وصيغة العيش المشترك السعيدة الذكر. فالدستور واضح في تحديد الصلاحيات والأدوار، وهو يطالب باحترام المواعيد والمهل، خصوصاً في الانتخابات النيابية والرئاسية، ويوزع الحصص في السلطة على الطوائف، وتأتي الأعراف والتقاليد لتطلب إلى جميع المتعاطين بالشأن العام الترفع والتمتع بأخلاق وطنية وحس مسؤول بما يجعل عملية الحكم مستندة إلى شرطي الدستور والأخلاق.
شكلت التسوية الرئاسية اللبنانية وانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للدولة ثم تشكيل الحكومة الأولى برئاسة سعد الحريري وإشرافها على وضع قانون انتخابات مجلس النواب ثم انتخاب هذا المجلس، عملية متكاملة بإسهام القوى السياسية الأساسية في محطاتها جميعاً أو في قسم من هذه المحطات، وفور اكتمال النصاب النيابي الجديد كان طبيعياً اختيار الحريري بتكليف نيابي كثيف لتشكيل الحكومة الثانية، ولن يتوقع أحد أن يشذ هذه المرة عن قواعد التسوية إياها التي بدأت ببند الرئاسة، فيتخلى عن صانعيها أو بعضهم لأسباب سيصعب تبريرها.
إذا نظرنا إلى واقع الأمر من هذه الزاوية سنستغرب أشد الاستغراب التأخير الحاصل في ولادة الحكومة، فالتفسيرات القليلة والأخبار المتكررة عن تعثر التشكيل لا تبرر ما يجري، خصوصاً أن ما يحكى عن أزمات مقيمة ومقبلة يتطلب أقصى درجات المسؤولية في التعاطي مع شؤون الحكم، وأن شعور المواطنين بعدم الثقة يتزايد، فيما لا يتردد البعض بإطلاق تهويل من هنا وتهديد من هناك…
باختصار، آن للحكومة أن تولد، ضمن سياق التسوية الرئاسية الكبرى بشروطها، وقواها، التي ارتضت أن تقوم بتجربتها، وتحمل مسؤولية هذه التجربة.