تبدي أكثر من جهة سياسية وحزبية مخاوفها من أن يكون الإستحقاق الرئاسي مدخلاً لتفجير الخلافات السياسية، وربما إقحام البلد في نزاعات قد تستغرق وقتاً طويلاً، إن على صعيد الجدل في تفسير الدستور، لا سيما أنه ليس هناك من حكومة، بل حكومة تصريف أعمال، إضافة إلى اجتهادات وفق مصالح هذا الفريق وذاك، ولكن الأخطر من ذلك ما يتمثّل بحالة الإنقسام السياسي التي تؤشّر إلى أجواء تصاعدية قد تكون هي الأعنف بعد حركة الإصطفافات الأخيرة، بمعنى تجمع النواب المعارضين في إطار تكتل كبير، على خلفية الإستحقاق الرئاسي المقبل، لتجنّب الشرذمة، وبالتالي، الإجماع على رئيس توافقي.
وعلم أن هناك لقاء قريبا آخر لهذا التكتل قد تشارك فيه مجموعات نيابية جديدة، إذ هناك اتصالات جارية على قدم وساق في هذا السياق، لذلك فإن التحالفات الجديدة المعارِضة وسواها قد تشكّل في المرحلة المقبلة مدخلاً لتوسيع حالة الإنقسام والسجالات، باعتبار أن كل ما يحصل اليوم مرتبط بالإستحقاق الرئاسي، وثمة من يرى أن المسألة تتخطى هذا الإستحقاق، الأمر الذي يشير إليه رئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط في مجالسه، والذي يشدّد على أهمية الشروع في حوار بين كل المكوّنات السياسية والحزبية، لأن القادم على لبنان والمنطقة يستوجب ذلك، وإلا سيدخل البلد في متاهات وخلافات سيكون لها ارتداداتها السلبية على كل المسارات، وتحديداً في الملف الإقتصادي.
وينقل هنا، وبحسب معلومات مواكبة، بأن جنبلاط سمع من الخارج أجواءً لا تبشّر بالخير، بل تتحدّث عن تحوّلات كبيرة ستجري في المنطقة، وفي حال بقي الوضع على ما هو عليه على الساحة الداخلية، فإن البلد سيتعرّض لأكثر من أزمة، ولهذه الأسباب والمعطيات علم أن جنبلاط سيطلق المزيد من المواقف والتحذيرات التي تصبّ في هذا المنحى.
من هذا المنطلق، فإن الإستحقاق الرئاسي، ووفق المعلومات نفسها، لن يكون هذه المرة مسألة عابرة، وإنما سيشهد صَولات وجولات إلى أن تحصل تسوية دولية ـ إقليمية في وقت قريب، تجنباً لاستفحال الأوضاع على كافة المسارات، ولكن، ومن خلال بعض القوى التي تتواصل مع دول معنية بالملف اللبناني، تؤكد أنه وحتى اليوم ليس ثمة أجواء تصبّ في هذا المعطى، نظراً للنزاعات والصراعات والحروب من أوكرانيا إلى أكثر من دولة، وما يجري في العالم ككل، لا سيما في أوروبا من أزمات إقتصادية خانقة، الأمر الذي يرتد سلباً على لبنان، ولكن في المقابل، ثمة اهتمامات لا زالت سارية المفعول، وتحديداً من قبل الفرنسيين، وبالمحصلة، فإن ذلك لا يكفي لأن التسوية تحتاج إلى توافق دولي وإقليمي، وإلى الآن هذا الإجماع غير متوفّر في خضم الأولوية للحرب الروسية ـ الأوكرانية، إلى ما يجري في فلسطين والعراق وسوريا واليمن.
ويبقى، وحيال هذه الأجواء المتوتّرة، فإن المعلومات ذاتها، تتحدث عن مساعٍ بُذلت لإعادة تحريك المياه الراكدة على خط بعبدا ـ السراي، بعد التوصل إلى ما يشبه الهدنة وإمكانية معاودة البحث بتشكيل الحكومة، ولكن ذلك أيضاً يتخطى هذه العناوين إلى ما هو أهم بالنسبة للأطراف الداخلية والخارجية، أي الإستحقاق الرئاسي، الذي يبقى منطلقاً أساسياً نحو الحل الشامل، عبر انتخاب رئيس توافقي وحكومة إصلاحية، وبعدها، يجري البحث بإصلاحات وتعديلات دستورية وقانون إنتخابي جديد، ولكن هذا ما سيحتاج إلى جهود من خارج الحدود، إلى أن تأتي هذه الفرصة المؤاتية، ودون ذلك، ستبقى عملية «شدّ الحبال» والخلافات قائمة.