IMLebanon

هل تتكرّر تسوية العام 1958؟

 

تركت جلسة الحكومة التي عقدت مؤخراً ندوباً في العلاقة بين طرفي اتفاق مار مخايل، وأعقبها رسائل سياسية من العيار الثقيل وجّهها نواب ووزراء التيار الوطني الحر لحليفهم الأول وقد يكون الوحيد ألا وهو حزب الله، لكن رئيس التيار حاول الحد من شطط هؤلاء في محاولة منه لإبقاء الخطوط مفتوحة مع حارة حريك، رغم تعمّده استعمال عبارات فيها كثير من الرسائل الواضحة مع عدم قطع شعرة معاوية مع الحليف.

 

وقد تعدّدت الآراء بخصوص الجلسة الحكومية الأخيرة، لكنها في المقابل أجمعت على اعتبارها مؤشراً على التوجّه السياسي للثنائي الشيعي في الإستحقاق الرئاسي وتحديداً توجّه حزب الله، في إشارة الى السير بفرنجية مرشحاً أوحداً، ومن هنا كانت رسائل باسيل، وما سبقها، واللافت هو ما صدر عن حزب الله رداً على باسيل قبل ساعات من انعقاد جلسة جديدة لانتخاب رئيس للجمهورية، مما قد يؤشّر الى أن التباعد بين الحليفين قد بلغ حداً متقدماً.

التباعد السياسي بين مكونات المجلس النيابي وخريطة توزيع القوى داخله توحي بأن مرحلة الشغور الرئاسي قد تطول معطوفة على غموض دولي وإقليمي بخصوص تفاهمات متشعبة ومرتبطة بحرب أوكرانيا والحاجة الى النفط وما يحصل في الداخل الإيراني، هذه المؤشرات تعيد الى الاذهان تجربة شبيهة الى حدّ ما حصلت في العام 1958، وذكرها الرئيس سامي الصلح في كتابه: «لبنان العبث السياسي والمصير المجهول»، فقد تطرّق الرئيس الصلح في الفصل ما قبل الأخير من كتابه الى أن الأميركيين تعمّدوا إضعاف المعارضة والحكم بشخص (الرئيس كميل شمعون)، تمهيداً لتمرير التسوية التي كانوا، أي الأميركيين، قد عقدوها مع الرئيس جمال عبد الناصر والقاضية بانتخاب قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية في عام 1958، وذلك في أعقاب أحداث العام 1958 في لبنان وسقوط نظام الملك فيصل في العراق.

أوجه التشابه بين واقعة العام 1958 والمرحلة الحالية، تتلخّص في انقسام اللبنانيين بين محاور دولية – إقليمية، تترك أثراً على الخريطة السياسية الداخلية، دون إغفال التأزّم على الساحة الدولية بين معسكر تقوده الولايات المتحدة مقابل محاولة روسية للعودة الى مرحلة تعدّد الأقطاب، وهنا يقع لبنان وسط عاصفة من الخضات السياسية، وما الشغور في قصر بعبدا إلا ترجمة فعلية لشدّ الحبال والصراع الدولي والإقليمي.

مما لا شك فيه، أن الحرب في أوكرانيا قد تركت آثاراً على مختلف ساحات الصراع ومنها الشرق الأوسط وتحديداً لبنان، وهنا يمكن الولوج الى حسم موضوع ترسيم الحدود الجنوبية للبنان والضغط الأميركي لإتمامه، لكنّ الأحداث تتسارع من انغماس روسي في المستنقع الأوكراني، وعدم إستقرار أوروبي وصولاً الى ما تشهده الساحة الداخلية في إيران من تظاهرات مستمرة، ولا يمكن إغفال صعود اليمين في إسرائيل وأوروبا والتقارب الصيني – الخليجي، هذه العوامل مجتمعة تمهّد الطريق لمزيد من التعقيدات على الساحة الداخلية ومزيد من الإرباك في إتمام استحقاق انتخاب رئيس جديد للبلاد.

وهنا يبرز التساؤل: هل الولايات المتحدة تتعمّد فعلاً إضعاف أطراف الصراع الداخلي تمهيداً لتمرير تسوية جديدة تحمل معها العماد جوزف عون الى بعبدا؟ وما دور القوى الداخلية وتحديداً حزب الله بصفته الفريق الأكثر قدرة على حسم الأمور داخلياً؟

دائماً ما كان انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان يخضع للتوازنات الدولية والإقليمية، وقد يكون من المفيد الإنتظار لمعرفة ومتى سيتم إعلان التسوية ومن سيتولى إخراجها داخلياً، لكنّ الظروف الداخلية تحتّم الإسراع في انتخاب رئيس للبلاد كون الأوضاع على كافة الأصعدة لم تعد تحتمل ترف الإنتظار.