تتسارع وتيرة الإتصالات الرئاسيّة محلياً مع تسارع التطورات الإقليميّة، المرافقة بدورها لدخول قوى الثامن من آذار غمار الإستحقاق الرئاسي عبر ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، ما دفع الفريق الناخب للنائب ميشال معوض إلى إعادة إستنهاض حراكه الداخلي، في محاولةٍ واضحةٍ لفرض «التوازن السلبي» المطلوب خلال مرحلة الإستنزاف الراهنة على كافة المستويات.
وبهذا الصدد، تنشط الإتصالات وبوتيرة مرتفعة داخل المجموعة النيابيّة التنسيقيّة المنبثقة عن النواب الـ40 الذين أطلقوا «نداء 27 كانون الثاني»، والتي تأخذ على عاتقها التواصل مع النواب المستقلين والممتعضين من خيارات تكتلاتهم الرئاسيّة، وذلك بعد إتساع هامش التمايز في صفوف الفريق الناخب لمعوض، والتمهيد إلى تبني مرشحين آخرين. وهذا ما بدا جلياً بُعَيد قفز «اللقاء الديمقراطي» عبر رئيس «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط من مركب تأييد معوض، للإنضمام إلى المبادرين في طرح مرشحي الحقبة الراهنة، من «الوسطيين»، بعد إطلاقه سلسلة من الأسماء بدأها بقائد الجيش العماد جوزاف عون وقد لا تنتهي عند شبلي ملاط، مروراً بالنائب السابق صلاح حنين، والوزير السابق جهاد أزعور.
وإذ تغيب المعايير الواضحة التي يعتمدها جنبلاط في إختياره للمرشحين الوسطيين، سُجّل تقاطع لاسم أزعور أو ترشيحه مع خيارات رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، الذي كان السبّاق في طرحه مع الموفد البطريركي المطران أنطوان بو نجم خلال جولاته على رؤساء الكتل والأحزاب المسيحيّة. وذلك قبل أن يعمد البطريرك الراعي إلى إيجاد مخرجٍ لتعذر جمع النواب المسيحيين وفق تفويض البطاركة المسيحيين له والتسليم لهذا الإستعصاء، بدعوة المعنيين إلى المشاركة في يوم صومٍ وصلاة وإضاءة الشموع في بيت عنيا – حريصا، في الخامس من شهر نيسان المقبل. ومع إتساع الهوة بين التكتلات النيابيّة المعارضة لتحالف «الثنائي الشيعي»، تسعى «الكتائب اللبنانية» إلى تفعيل اللقاءات التنسيقية الدورية بين النواب الذين تصدوا لمحاولة الإطاحة بتحقيق المرفأ، والذين أكدوا إلتزامهم بتطبيق أحكام الدستور، لا سيما المواد 49 و74 و75 منه، واعتبارهم المجلس النيابي هيئة ناخبة ملتئمة بشكل دائم من أجل إنتخاب رئيس للجمهورية، ما من شأنه قطع الطريق على التأقلم مع الشغور في سدّة الرئاسة الأولى إلى أن يتم إنتخاب رئيسٍ للجمهورية، يكون بدوره قادراً على وضع لبنان على الطريق الصحيح وإخراجه من السياسات الجهنمية التي ترهق اللبنانيين وتقضي على مستقبلهم في هذا البلد.
ووفق أحد النواب المشاركين في هذه اللقاءات، فإن الهدف الأساسي من الإجتماعات يكمن في العمل للتوصّل إلى تأمين التأييد النيابي المطلوب لإيصال مرشح المعارضة إلى سدّة الرئاسة الأولى، مشيراً إلى أنّ مروحة إتصالاتهم تشمل غالبيّة النواب الذين لم يحسموا خياراتهم الرئاسيّة حتى اليوم، في محاولةٍ واضحة للتوافق على مرشحٍ قادرٍ على تأمين الـ65 صوتاً، بالدرجة الأولى، والتصدي تالياً لمحاولة قوى الثامن من آذار إيصال مرشحها إلى بعبدا.
وإن كانت غالبيّة الإتصالات الرئاسيّة الداخلية تدور في حلقةٍ مفرغةٍ من التخبّط بإنتظار مآل الملفات الإقليمية، وكلمة السرّ، التي قد يطول سماع أصدائها، تؤكّد اوساط المعارضة أنّ أهمية اللقاءات تكمن بالدرجة الأولى في فرض «توازن سلبي»، وقطع الطريق أمام تفرّد «حزب الله» وحلفائه في تمرير إنتخاب الرئيس الذي يريده. وذلك عبر الإمساك بورقة تعطيل جلسات الإنتخاب التي قد يعمد «الثنائي» من خلالها إلى الضغط أو إقناع النواب المترددين بصوابية إنتخاب رئيس «المردة» سليمان فرنجية، كخيار أوحد لا بدّ منه، وذلك بعدما فرض إعتصام النائبين ملحم خلف ونجاة صليبا في المجلس النيابي، واقعاً مغايراً أفقد «التغييريين» ورقة مقاطعة الجلسات الإنتخابية مع توجه الفريق الناخب للدكتور عصام خليفة إلى الإبقاء على مشاركته في الجلسات كما التصويت أيضاً لخليفة، بعيداً من الإنخراط في التحالفات المستجدة.
وإلى جانب محاولة المعارضة الإمساك بورقة النصاب، تتمحور اللقاءات الدورية التي تشمل النائب ميشال معوض، ورئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل والنواب غسان حاصباني وجورج عقيص عن «القوات اللبنانية»، ومارك ضو، ووضاح الصادق، وفؤاد مخزومي وغسان سكاف وآخرين، حول إمكانية إيجاد مقاربة جديدة للملف الرئاسي، بعيداً عن الغوص في طرح الأسماء العشوائية وحرقها.
ويوضح أحد المشاركين في اللقاءات أن النائب معوض هو نفسه غير متمسك بترشيحه، بمقدار تمسّك المجموعة بالخيارات السياسيّة التي يطرحها والتي تشكّل محط إجماع بين غالبيّة القوى المؤيدة له. هذا مع التأكيد على إبقاء أبواب النقاش مفتوحة وبمشاركة معوض من أجل التوصّل إلى خيار مشترك مع التكتلات النيابيّة الأخرى، وبشكل أدق النواب السنّة «المستقلين»، و»التغييريين»، كما «التيار الوطني الحر». أما عن مسار المداولات، فيشدد أحد المشاركين في اللقاءات على أنه من المبكر الحديث عن تحقيق المعارضة الخرق الإيجابي المطلوب في ظل الجمود القاتم، رغم المحاولات المتكررة التي تقوم بها أركان المعارضة، متوقفاً عند الجانب الإيجابي الذي يكمن بالإبقاء على التنسيق والسعي إلى توحيد الجهود من أجل إيصال رئيس سيادي إنقاذي يمنع دخول لبنان في دوامة جديدة من الإنهيار.