IMLebanon

الاستحقاق الرئاسي على «ابواب الأنفاق» الديبلوماسية والنيابية

 

 

قبل ان يتبلّغ أي من المراجع اللبنانية أي معلومة عن برنامج عمل الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان خلال ايلول المقبل، ظهر انّ الاستحقاق الذي يبحث عن مخارج له بات على أبواب سلسلة من الأنفاق الديبلوماسية والسياسية والنيابية. وهي محطة فرضت عليه توسيع مروحة استشاراته مع شركائه في «لقاء باريس الخماسي»، لاستكشاف ما يمكن القيام به وإزالة الغموض المحيط بمهمّته بعد لقاء الدوحة. وعليه، هل من جديد يوحي بمخارج؟

قلائل أولئك الذين تجرأوا او ادّعوا انّهم على علم بما يمكن ان يقوم به لودريان في الأسابيع القليلة المقبلة، إنفاذا لوعده السابق بالعودة الى بيروت في أيلول المقبل. كان ذلك قبل أن يفاجئهم بمجموعة الرسائل التي وجّهها إلى النواب اللبنانيين، وفق تصنيف جديد أثار ما أثاره من علامات استفهام حول ما قصده من خطوته التي قام بها منتصف آب الجاري، والتي زادت من الغموض لجهة الآلية التي سيعتمدها لاحقاً في مقاربته للملف الرئاسي، بعدما تعمّقوا في قراءة لائحة الأسماء التي تلقّت رسائله، وما أحدثته من بلبلة في بعض الكتل النيابية التي «تشظّت» بفعل هذه الرسائل.

وعلى وقع سيل المفاجآت التي أحدثت شكوكاً لدى بعض القوى النيابية، لم يظهر انّ هناك من تدخّل لدى لودريان او أي من اعضاء فريقه غير رئيس مجلس النواب نبيه بري، والذي اضطر تجاه ما حصل إلى تسريب مجموعة من الملاحظات، لعلّ ابرزها إشارته الى انّ ما كان متفقاً عليه من قبل لا يمكن ان يؤدي الى تمثيل اكثر من 15 قطباً او طرفاً نيابياً في اي دعوة محتملة الى الحوار، من دون اي توضيح حول ما يمكن ان يقود الى تحديد مكانه وشكله وتوقيته، طالما انّ مضمونه بات محصوراً بما قصده لودريان في سؤاليه الجوهريين. فهما، لمجرد تناوله مواصفات الرئيس وبرنامج عمله للسنوات الست المقبلة، يختصران خريطة الطريق المحتملة إلى اي تفاهم محتمل يؤدي برئيس المجلس الى توجيه الدعوة الى الجولة الثالثة عشرة من مسلسل جلسات انتخاب الرئيس، بما فيها التوافق على عقد دورات متتالية تستمر الى حين انتخابه.

وعليه، طُرحت التساؤلات حول المكان الذي يمكن ان يستضيف الحوار، سواءً كان في ساحة النجمة او في أي مكان آخر يختاره لودريان، سواء كان «قصر الصنوبر» او غيره، عدا عن شكله، إن كان حواراً جماعياً او بالمفرّق على شكل ما تطالب به قوى المعارضة، ليكون شبيهاً بتلك التي قام بها في جولتيه السابقتين الأولى والثانية، بعد رفضهم أي طاولة جامعة تضمّهم إلى ممثلي الكتل والقوى النيابية، وإصرارهم على حوار إفرادي او ثنائي او ثلاثي، لاختصار مرحلة التشاور بيومين او ثلاثة على الأكثر، قبل البتّ بموعد جلسة الانتخاب الجديدة. وهي شروط يمكن إضافتها الى ما اشترطه «التيار الوطني الحر» لجهة ان يقدّم رئيس المجلس النيابي تعهّداً مسبقاً بتوجيه هذه الدعوة اياً كانت النتائج المترتبة على اي حوار او عملية تشاور سلبية كانت أم إيجابية.

وإلى هذه الملاحظات التي تلقّتها السفارة الفرنسية بالإنابة عن لودريان شخصياً، فقد دفع التشكيك برسائل الموفد الفرنسي واعتبار بعض قوى المعارضة انّها شكّلت خروجاً على ما انتهى اليه «لقاء الدوحة الخماسي» في 17 تموز الماضي، وخصوصاً لجهة تجاهله الملاحظات التي تعرّض لها، قياساً على النسخة الأولى من مبادرته، وخصوصاً لجهة رفض أكثرية اعضاء اللقاء أي شكل من أشكال الحوار المقترحة من جانبه قبل انتخاب الرئيس. ولذلك، كشفت مصادر ديبلوماسية على صلة بحركة الاتصالات الجارية، انّ لودريان الذي تبلّغ بالأمر، أجرى في الأيام القليلة الماضية جولة من المشاورات مع ممثلي الدول الخمس من أعضاء «لقاء باريس»، لهدف إثبات براءته من هذه التهمة. وأصرّ في اتصالاته على التزامه بما تقرّر، موضحاً انّه لم يقم بمبادرته الاخيرة من خارج السقوف التي رسمها اللقاء.

وعليه، أضافت المصادر عينها، أنّ لودريان لم يخرج عن التفويض الذي ناله من «لقاء الدوحة»، وبقي ضمنه باستكمال الخطوات التي بدأها في جولته الاولى في حزيران الماضي. ولذلك فقد أجرى تعديلاً مهمّاً على استراتيجيته السابقة، عندما قلّص من برنامج لقاءاته وزياراته في جولته الثانية ما بين 25 و27 تموز الماضي، فاستثنى منها القيادات غير المعنية بعملية الانتخاب، وحَصَرها بالكتل والنواب المستقلّين المعنيين باختيار الرئيس في صندوقة الاقتراع فقط دون غيرهم من القوى المؤثرة في الاستحقاق، سواء كانت حكومية، سياسية، حزبية او روحية.

وتأسيساً على ما تقدّم من الملاحظات، فقد التقت المراجع السياسية والديبلوماسية على قراءة هذه المستجدات على أنّها من المؤشرات السلبية التي لا يمكن التكهّن بما ستؤدي اليه سوى مزيد من الاشارات الى انّ مهمّة لودريان بدأت تتعرّض لصعوبات لم تكن مقدّرة بالحجم الذي بلغته. وانّه سيبني استراتيجيته المقبلة على مجموعة من الخطوات التي باشرها مع اطراف «لقاء الدوحة» طلباً للدعم والتحرّك في اتجاه بعض القوى الإقليمية ربما كما الداخلية.

ولذلك، فقد تسرّب إلى مسامع بعض القوى الحزبية، انّ وفداً قطرياً وصل الى بيروت لإجراء مفاوضات اعتاد ان يقوم بها في السرّ منذ انتهاء مهمّة سفير دولته السابق في بيروت إبراهيم بن عبد العزيز السهلاوي، وانّ من بينهم ديبلوماسيون وأمنيون سيكونون إلى جانب السفير القطري الجديد الشيخ سعود بن عبد الرحمن بن فيصل ثاني آل ثاني، متى تسلّم مهماته رسمياً فور إنهاء الشغور الرئاسي، والذي عيّنه أمير الدولة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني سفيرًا فوق العادة مفوضاً لدى لبنان في 25 تموز الماضي، ولم يتسلّم مهماته بعد.

وإلى الحراك القطري، توقّعت المصادرالديبلوماسية عينها نشاطاً ديبلوماسياً أميركياً جديداً في بيروت بدأته السفيرة دوروثي شيا، إلى جانب السفير الفرنسي المعيّن حديثاً هيرفيه ماغرو الذي بدأ جولة استطلاعية وتعارف استهلها بوزير الخارجية عبدالله بوحبيب، وشملت الى اليوم كلاً من الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، قبل ان يبدأ في الايام المقبلة جولة على رؤساء الأحزاب والقيادات الروحية، لإجراء مقاربة لردّات الفعل اللبنانية بطريقة اكثر دقّة، على ضوء ما تلقّاه حتى اليوم من اجوبة نادرة من بعض الكتل النيابية والشخصيات التي تتجاوب مع مضمون رسائل لودريان.

عند هذه المستجدات، يبدو من الصعب التكهن او البت بأي خطوة مقبلة يمكن ان يقوم بها لودريان، وقد اقتربت البلاد من دخول الاستحقاق الرئاسي في مجموعة من الأنفاق الديبلوماسية والسياسية والنيابية التي يحملها شهر ايلول من دون أي أفق. فمن يدّعي أنّه قادر على التكهن بما يمكن ان يقوم به لودريان من اليوم ليس على السمع بعد، ولذلك فلا يستغربن أحد ما سنسمعه من سيناريوهات همايونية وروايات وتسريبات وهمية تحاكي الرغبات والأمنيات وهي خالية من أي معلومات.