لم يعد السجال المستمر وغير المباشر، والذي تصاعد وفق وتيرةٍ مدروسة وغير عفوية بين رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل من جهة، وبعض حلفائه وخصومه في آن، والذي يتركز على الإستحقاق الرئاسي، يحمل أية التباسات حول دلالاته وأبعاده على العديد من المستويات : المستوى الأول هو استهداف ترشيح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، ولو بشكلٍ غير رسمي، من دون الأخذ بالإعتبار الإنعكاسات التي يتركها على مجمل المشهد الرئاسي. لكن مصادر نيابية واسعة الإطلاع، لا ترى أية إشارات سلبية حول انتخابات الرئاسة في هذا الخطاب، وتعتبر أن عوامل عدة باتت تتداخل اليوم في المعادلة الإنتخابية، وفي مقدمها الخشية من دخول الإستحقاق في مرحلةٍ طويلة من الشغور، وبالتالي تحريك عجلة المشاورات بين كل الكتل النيابية والسعي إلى الخروج من دائرة المراوحة.
ولذا تؤكد المصادر النيابية المطلعة، أن مسار المواقف واللقاءات والتحركات الخارجية التي يقوم بها رئيس “التيار الوطني”، سيفتح أفقاً جديداً للإستحقاق الرئاسي اعتباراً من الجلسة الإنتخابية المقبلة، خصوصاً في حال ترجمت كتلته ما سبق وأن أعلنه حول التوقف عن التصويت بالورقة البيضاء، والذهاب نحو تسمية مرشّح جديد. لكن أي خطوة من هذا القبيل، وكما تتوقع هذه المصادر، لن تؤدي سوى إلى إضافة المزيد من التعقيدات التي تعترض في الأساس التوافق حول مقاربة واحدة للإنتخابات الرئاسية، سواء لدى حلفاء باسيل بالدرجة الأولى، أو الكتل النيابية الأخرى، في إطار حوارٍ ولو بالحدّ الأدنى من الواقعية وبمعزلٍ عن التباينات والتناقضات بين كل القوى السياسية والحزبية على الساحة الداخلية.
وبالتالي، تقلل المصادر نفسها من الإنعكاسات السلبية، كما وصفتها ،لواقع الإلتباس التي سُجّلت أخيراً، وطغت على العنوان الرئيسي الذي يحتل الأولوية اليوم لدى كل الأطراف على الساحة الداخلية كما على الساحة الدولية، مشيرةً إلى أن عواصم القرار المعنية بالملف الرئاسي تشدد على الحوار والتوافق بين الكتل النيابية من أجل إنجاز كل الإستحقاقات، وفي مقدمها الإصلاحات الضرورية تزامناً مع ملء الشغور الرئاسي، ولكن من دون أن تكون لأي من هذه العواصم أية مبادرات جدية وعملية تجاه أي فريق سياسي داخلي.
ومن شأن هذه المعطيات، أن تطرح مجدداً الدعوة إلى الحوار الوطني من قبل رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بحسب المصادر النيابية نفسها، والتي تكشف عن تحولاتٍ في المواقف إزاء هذا الحوار عنما يتمّ طرحه في الأسابيع المقبلة. ولكنها تستدرك موضحةً أن هذه الخطوة، لن تأتي قبل حسم الموقف لجهة الإقتراع بالورقة البيضاء من قبل فريق 8 آذار، بحيث تجري حالياً عملية نقاش موسّع من أجل هذه المرحلة المقبلة، حيث أنه من الضروري بعد اليوم، السير بخطواتٍ عدة أبرزها الإنفتاح على التوافق، كونه الممر الإلزامي لإنهاء حالة الفراغ الرئاسي.