تطوّرات المنطقة تفرض على اللبنانيِّين قراءة متأنية لمسار الأحداث لتجنّب الرياح العاتية
الإستحقاق الرئاسي عاد إلى رف الإنتظار.. والنصيحة الدولية للتعايش مع الواقع سارية المفعول
لا تشي المعطيات المتوافرة داخلياً وخارجياً بأن الأسابيع أو الأشهر الأولى من السنة المقبلة ستحمل معها أي تباشير خير في إمكانية تجاوز المطبات والعثرات التي تحول دون انتخاب رئيس للجمهورية، لا بل إن ما يلوح في الأفق من مؤشرات يُؤكّد بأن المنطقة برمتها مقبلة على متغيرات بالمفرق والجملة من شأنها أن تطيح بالخارطة التي اوجدتها معاهدة «سايكس بيكو» منذ حوالى المائة عام، مع ما يحفل ذلك من مخاطر وأزمات ستبقى اصداؤها تسمع لسنوات قادمة.
وإذا كانت التطورات المتسارعة والخطيرة التي تشهدها المنطقة تفرض على اللبنانيين القراءة المتأنية لمسار هذه الأحداث والانصراف في اتجاه ترتيب البيت الداخلي تجنباً للرياح العاتية، فإن الأفرقاء السياسيين يصرّون على تقاذف كرة التعطيل وتبادل الاتهامات وهو ما يزيد التأزم ويُبقي الاستحقاق الرئاسي في دائرة التعثر مع غياب أي ملامح لأية تسوية داخلية تعيد ملء الشغور الرئاسي الذي طال انتظاره، خصوصاً وأن التسوية التي طرحت في الأسابيع الماضية والتي أعادت الديناميكية إلى الانتخابات الرئاسية قد أفل نجمها، وإن كان البعض ما يزال يراهن عليها ويحاول إقناع نفسه والآخرين بأنها ما تزال قائمة، والدليل على ذلك ما أعلنه وفد «حزب الله» بعد زيارة المعايدة التي قام بها إلى بكركي أمس الأوّل وملخصه استمرار التمسك بترشيح العماد ميشال عون.
وفي هذا الإطار تجزم أوساط سياسية متابعة بأنه لا يمكن اجراء انتخابات رئاسية في لبنان بمعزل عن الحلول المرتقبة في المنطقة، وبوضوح أكثر فإن هذا الاستحقاق لا يمكن الولوج إليه الا بعد انقشاع غبار الأزمة السورية التي ترمي بثقلها على الملف اللبناني لاعتبارات القريب والبعيد يعرفها، وبذلك فإن الأشهر الأولى من العام المقبل لن تحمل ما يُشجّع على إنهاء الأزمة الرئاسية، لا بل إن هذه الأشهر ربما تكون حبلى بالتطورات والأزمات التي تكون أقرب إلى المخاض الذي يسبق الولادة.
وفي تقدير هذه الأوساط ان القوى السياسية ستنصرف مع مطلع العام لإعادة قراءة حساباتها في ضوء المتغيّرات في المشهد الإقليمي، وأن استمرار اجتماعات الحوار الموسع والثنائي يبقى حاجة ملحة لكافة الأطراف كون انه يُشكّل المنفذ الوحيد لأي احتقان أو سجال يمكن ان يطرأ نتيجة ما تشهده المنطقة وكذلك بنتيجة الاشتباك السياسي الداخلي المندلع منذ سنوات.
وتعرب الأوساط عن اعتقادها بأن الأفق الداخلي مقفل بالكامل امام أية تسوية معزولة عن وضع المنطقة، ولو كان الوضع القائم عكس ذلك لانبرى أكثر من قطب سياسي في سبيل تأمين المخارج للأزمة الموجودة والانطلاق باتجاه انتخاب رئيس للبلاد، غير ان فهم هؤلاء لطبيعة الوضع في لبنان والمنطقة يجعلهم يحجمون عن ذلك ويتركون الأمور رهن ما سيحدث في المشهد الإقليمي الذي يضغط بثقله على الشأن اللبناني الداخلي.
وانطلاقاً من هذه المسلَّمة فإن الأوساط نفسها ترى ان الاستحقاقات المصيرية في لبنان وفي طليعتها الاستحقاق الرئاسي عادت مجدداً لتوضع على رف الانتظار وترقب مسار ومصير الأزمات المفتوحة في المنطقة، وبالتالي فإن النصيحة الدولية التي أُسديت إلى اللبنانيين في مراحل سابقة بأن يتعايشوا مع الواقع سيؤخذ بها مجدداً مع الحرص على إبقاء المظلة الإقليمية والدولية مفتوحة لاستمرار تأمين الاستقرار العام في لبنان.
وتكشف الأوساط ان من بين العقد الداخلية التي تقف حجر عثرة امام أية محاولة لإخراج الملف الرئاسي من النفق هو الانشطار السياسي القائم حول المخرج، فهناك من يريد ان يتم الاستحقاق الرئاسي من ضمن سلّة متكاملة تشمل الحكومة وقانون الانتخاب وهناك من يشترط بتوسيع السلة إذا لم يكن من بدّ منها لتشمل مواضيع خلافية أخرى وهنا تكمن المشكلة الأساسية التي تحول دون خروج الاستحقاق الرئاسي من حالة الدوران في الحلقة المفرغة.
وترى الأوساط السياسية المتابعة بأن الواقع الحكومي لن يكون أفضل حال مع قابل الأيام، حيث ان الجميع يُؤكّد على ضرورة تفعيل العمل الحكومي من دون ابتداع أي صيغة لتحقيق هذه الغاية، وهذا سينسحب بالطبع على العمل التشريعي الذي يشهد شللاً كبيراً يحول دون إخراج العديد من المشاريع الملحة والضرورية من الادراج بشكل ينعكس سلباً على حياة المواطنين على كافة المستويات.
وامام هذا المشهد غير المريح فإن الأوساط ترى ان إبقاء نافذة الحوار مفتوحة وإن بشكل غير كامل يساهم إلى حدّ كبير في الحفاظ على حالة الاستقرار السياسي والأمني وحتى الاقتصادي، لأن مجرّد التفكير بتوقف هذا الحوار الذي يبذل الرئيس برّي جهوداً مضنية لابقائه على قيد الحياة في ظل الظروف الداخلية والخارجية يرسم صورة قاتمة لا بل سوداوية عن الحالة التي سيكون بها لبنان الذي تلفحه الرياح الساخنة من كل حدب وصوب.
وتخلص الأوساط انه في ظل الجمود السياسي الحاصل، وفي ظل حالة الترقب التي يعيشها لبنان نتيجة التطورات المتسارعة في المنطقة فلا ضرر من إبقاء العين مفتوحة على الشأن المالي الذي دخل بقوة على خط الصراعات والتي كان من معالمها قرار الحظر الأميركي ورد السيّد حسن نصر الله عليه.