الإستحقاق الرئاسي إلى البراد مجدداً بعد فشل المساعي الدولية والمبادرات
مصدر دبلوماسي غربي يعدد الأسباب ويتخوف على الطائف
عاملان محلي وخارجي يلتقيان عند إبقاء الوضع الرئاسي متردياً إلى حين نجاح «حزب الله» بفرض «المثالثة
يدخل الفراغ في رئاسة الجمهورية عامه الثاني ولا يوجد في المستقبل المنظور أي مؤشر أو بصيص أمل لو ضئيل للخروج من هذا المأزق الذي لم يشهد لبنان مثيلاً له حتى في أصعب وأدق الظروف التي مر بها منذ نيله الاستقلال التام واستقراره بموافقة كل مكوناته على نظامه الديمقراطي البرلماني الحالي والذي امتاز به على باقي دول المنطقة، ووفق مصدر دبلوماسي غربي فقد توزعت الأسباب التي تحول دون ملء هذا الفراغ بين محلية تعود إلى وجود فريق أطلق على نفسه فريق الممانعة ويتزعمه «حزب الله»، يربط هذه القضية بإحداث تغيير في النظام القائم على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في السلطة، والمعني بالدرجة الأولى حزب الله، الذي لم يخفِ هذا الأمر وجاهر به في أكثر من مناسبة، وفريق أطلق على نفسه فريق ثورة الأرز يرفض مثل هذا التعبير ويتمسك بالنظام القائم على وثيقة الطائف التي كرست الديمقراطية البرلمانية والمناصفة بين المسيحيين والمسلمين في مجلس الوزراء والنواب، وفي وظائف الفئة الأولى إلى أن تلغى هذه المعادلة بعد انتخاب أول مجلس نيابي بعد الطائف وانتخاب مجلس شيوخ على أساس المناصفة بين هذين المكونين.
وبالرغم من أن حزب الله حاول أمينه العام نفي وجود أية نية لديه لتغيير اتفاق الطائف، إلا أن ممارساته على الأرض وتعطيله الانتخابات الرئاسية بمقاطعة كل الجلسات التي دعي إليها مجلس النواب، عززت الشكوك عند باقي الأفرقاء، ولا سيما عند فريق 14 آذار من أنه ماضٍ في مشروعه ولن يفرج عن الاستحقاق الرئاسي إلا بعد قبول الفريق الآخر بعقد مؤتمر تأسيسي يُعيد النظر في الصيغة التي كرسها دستور الطائف وقيام ما يسمى بنظام المثالثة. وهذا الفريق لا يأخذ كلام الأمين العام الأخير حول تنازله عن السلة المتكاملة في حال قبل بإنتخابه مرشحه النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية على محمل الجد بعدما حظي رئيس تكتل التغيير والإصلاح بدعم أحد مكونات فريق 14 آذار حزب القوات اللبنانية بدعمه، وبعدما تبنى مكون أساسي آخر في نفس الفريق تيّار المستقبل ترشيح نائب زغرتا سليمان فرنجية الذي يعتبر ركناً أساسياً في فريق الممانعة والصديق الشخصي لرئيس النظام السوري المتهم باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وقافلة شهداء الرابع عشر من آذار، مدللاً على صحة ذلك برفض حزب الله هذا العرض التنازلي السخي وتمسكه بعون وامعانه في التعطيل، بما يكفي للتأكد من انه «حزب الله» لا يزال متمسكاً بمشروعه الذي سبق وجاهر به لتغيير نظام الطائف، ولو كان غير ذلك لكان تخلى عن مقاطعة جلسة الانتخاب، وترك اللعبة الديمقراطية تأخذ مجراه وتنتخب من يحظى بأكثرية أصوات النواب بين المرشحين عون وفرنجية وكلاهما من فريق الممانعة، إلا اذا كان حزب الله قد أبرم اتفاقاً مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح على تعديل الطائف بما يتناسب مع مشروعه السياسي.
أما السبب الخارجي فمعظمه إقليمي له ارتباط وثيق بالمشروع الإيراني التمددي في المنطقة، بدءاً من العراق وسوريا وصولاً إلى اليمن، والذي تتخذ من استمرار الفراغ في الرئاسة اللبنانية وفي إبقاء وضع لبنان مأزوماً وغير مستقر ورقة للمساومة من جهة، ولتوسيع رقعة تمدده في الإقليم من جهة ثانية، وقد أوكلت مهمة، الامساك بهذه الورقة إلى «حزب الله» الذي يعتبر نفسه وفق ما جاء على لسان أمينه العام جندياً صغيراً في ولاية الفقيه، أي عند ايرن، وقد تولى الحزب هذه المهمة وحال حتى الآن دون خروج لبنان من المأزق حتى وصل إلى حالة الإفلاس المالي والاقتصادي باعتراف وزير المال نفسه، وكل خبراء المال والاقتصاد من لبنانيين وأجانب وعرب.
والواقع الذي وصل إليه الوضع يدلل على أن العاملين الداخلي والخارجي ما زالا ملتقيين علی هدف واحد وهو ابقاء الوضع المتردي يزداد تعقيداً الی أن تتحقق أهداف «حزب الله» لجهة تغيير أو تعديل الطائف من المناصفة إلى المثالثة وبما يُعيد المشروع الإيراني في فرض هيمنة طهران على الإقليم من جهة ثانية، وهو ما يتأكد يوماً بعد يوم وما يؤكده مضي حزب الله في تعطيل الاستحقاق الرئاسي رغم تسليم الفريق الآخر برئاسة الجمهورية إليه، فلا شروط مسبقة ولا حتى أية ضمانات، كأن يكون على سبيل المثال رئيس الحكومة من فريقها، وليس أدلّ على ذلك من تراجع الدول الخارجية الحريصة علی استقرار لبنان وعلی إنجاز الاستحقاق الرئاسي بعد مباحثاتها مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، ولا سيما فرنسا الأكثر اهتماما بلبنان واستقراره عن الاهتمام بموضوع انجاز الاستحقاق الرئاسي ولو على مضض.