ينهي تكتل “الاعتدال الوطني” هذا الأسبوع جولته على المسؤولين السياسيين والروحيين لاطلاعهم على مبادرته الرئاسية، لينتقل بعدها لمرحلة الجد. كل الاجواء الايجابية التي احاطت بهذه الجولة قد تتلاشى تلقائيا، مع الانتقال للحديث عن آليات تنفيذية للمبادرة لا تبدو موجودة. اذ تقول مصادر واسعة الاطلاع ان “فحوى المبادرة جميل، وقد يوحي بأنه سيكون هناك رئيس للبنان خلال اسبوعين.. لكن حقيقة الامر ان الموضوع بالغ التعقيد، كما يبدو ان المبادرة مفخخة وقد تنفجر في اية لحظة وعند اي مفترق”.
وتضيف المصادر”يتحدثون عن تداعي النواب، وبالتحديد ممثلين عن الكتل النيابية والنواب المستقلين، لجلسة تشاور لا يترأسها او يديرها احد، يتم خلالها التفاهم على اسم رئيس او على اكثر من اسم، على ان يتم التوجه بعدها الى جلسة انتخاب. ولكن اي جلسة تشاور هذه من دون وجود آلية واضحة لمسارها، ومن دون وجود من يديرها؟ فهي ستتحول حتما لحوار طرشان لن يخرج بنتيجة”. وتشير المصادر الى ان “قوى رئيسية اعلنت تجاوبها مع المبادرة، ابلغت زوارها ان لا جدوى منها وانها ساقطة في مهدها، وتندرج باطار اللعب في الوقت الضائع”.
بالمقابل، يتحدث احد نواب “الاعتدال” الناشطين في الترويج للمبادرة عن “دعم داخلي كما خارجي تحظى به تجعلها اقرب الى النجاح”، لافتا الى ان “مساعي اللجنة الخماسية الدولية المعنية بالشأن اللبناني، ستصبح داعمة للحراك الداخلي باعتبار ان له الاولوية، وبالتالي اي اجتماع لوزراء خارجية هذه الدول، سيكون مؤجلا في المرحلة الراهنة تماما كما زيارة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان، حتى اتضاح مسار ونتائج مبادرة تكتل “الاعتدال”.
وبالرغم من التفاؤل الذي يبديه نواب هذا التكتل بامكانية تحقيق الخرق المطلوب، لاعتبارهم ان الاجواء الدولية مؤاتية، الا انه يمكن الحديث عن مجموعة عوائق، قد تحول دون انجاز الانتخابات الرئاسية قريبا:
– اولا: رغم محاولات البعض فك ارتباط الملف الرئاسي بملف غزة والتسوية المرتقبة للمنطقة، الا ان هذه المهمة تبدو شبه مستحيلة، خاصة في المرحلة التي تنشط فيها المفاوضات لانجاز هدنة في غزة خلال شهر رمضان.
– ثانيا: يبدو محسوما ان حزب الله لن يفرّط بمرشحه رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، وهو كما رئيس المجلس النيابي نبيه بري وافقا على مبادرة “الاعتدال”، شرط الا تلحظ بأي من مراحلها التخلي عن مرشحهما. وطالما القوى المسيحية الرئيسية، وبالتحديد “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” لا يبدوان اطلاقا بصدد التصويت لفرنجية او تبني ترشيحه، فهذا يعني الاستمرار بالدوران في حلقة مفرغة.
– ثالثا: حتى ولو وصلنا الى جلسة انتخاب، فالمرجح الا ينجح اي من المرشحين، في ظل المعطيات الراهنة بتأمين ٨٦ صوتا في الدورة الاولى و٦٥ صوتا في الدورات التي تلي.. وحتى ولو نجح مرشح تقاطع المعارضة و”الوطني الحر” ، سواء كان الوزير السابق جهاد ازعور او غيره بتحصيل ٦٥ صوتا في حال صوّت النواب الرماديون لصالحه، فان عدم حصوله على صوت شيعي واحد سيُدخل البلد في اشكالية حقيقية، خاصة اذا رفض “الثنائي الشيعي” السير بالنتائج التي ستخلص اليها الجلسة، واتجه للتشكيك بميثاقيتها.
بالمحصلة، صحيح ان تحرك “الاعتدال الوطني” حرّك المياه الرئاسية الراكدة، ونجح الى حد بعيد بالتقدم على “اللجنة الخماسية” بمحاولاتها، الا ان الحسم بقدرة هذه المبادرة على تحقيق الهدف الأساسي بانتخاب رئيس، وهو ما فشلت به عشرات المبادرات السابقة الداخلية كما الخارجية، سيكون لا شك بغير مكانه…فما هو محسوم ان لا مكان للمفاجآت كما للعمل العفوي في هذا الملف.. هنا كل شيء يفترض ان يكون محسوبا بدقة متناهية.