“القوّات اللبنانية” قد تبدّل موقفها في حال خرج الضوء الأخضر من التسوية!
لا يزال تبنّي الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله ترشيح رئيس “تيّار المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية يأخذ صداه على الساحة الداخلية والخارجية، لا سيما مع تحريكه للجمود الحاصل على صعيد الاستحقاق الرئاسي. هذا الإعلان الذي تبنّاه قبل السيّد نصرالله بأيّام قليلة رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، جاء ليؤكّد رسمياً اسم مرشّح “الثنائي الشيعي” للرئاسة في وجه مرشّح قوى 14 آذار المعلن حتى الساعة رئيس “حركة الاستقلال” ميشال معوّض، رغم سعي بعض دول الخارج والسعودية الى الترويج لترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون. وتزامن هذا الإعلان مع موقف بارز لرئيس حزب “القوّات اللبنانية” سمير جعجع الذي تراجع عن موقف سابق له ينتقد فيه تعطيل النصاب القانوني في مجلس النوّاب، صرّح فيه أنّه سيُعطّل النصاب لانتخاب فرنجية. وحذا حذوه في موقفه هذا رئيس حزب “الكتائب اللبنانية” سامي الجميّل والنائب أشرف ريفي. علماً بأنّ مقاطعة جلسة انتخاب الرئيس أو الانسحاب منها تعتبر حقّاً ديموقراطياً ودستورياً كفله القانون لجميع النوّاب. فهل بتنا أمام بداية حلحلة لأزمة الاستحقاق الرئاسي، أم أنّ “درب الجلجلة سيكون طويل الأمد”، على ما وصف جعجع قرار مضي حزب الله في ترشيح فرنجية؟
يقول مصدر سياسي مطّلع انّ إعلان جعجع عن عدم تأمين النصاب كون كلام السيّد نصرالله الأخير أعاد الى الأذهان معادلة “مخايل الضاهر أو الفوضى في العام 1988″، عبر “معادلة فرنجية أو الفوضى”، مشكّكاً في قدرة فريق 8 آذار على تأمين 65 صوتاً لفرنجية، بالإشارة الى أنّه “أصبح شبه مستحيل”، فضلاً عن إعلان السيّد نصرالله ترشيح فرنجية يعكس حالة من التأزّم السياسي ليس على الساحة الداخلية فقط، إنّما على مستوى الإقليم أيضاً. فالاصطفافات القائمة اليوم في الإقليم، تُظهر مدى التباعد الكبير بين كلّ من السعودية وإيران حتى الآن، إذ من الواضح أنّها لا تسير على طريق التقارب والتعاون والتنسيق. كذلك فإنّ موضوع الملف النووي يتعقّد أكثر فأكثر، فضلاً عن تعقيدات في الأزمة الروسية- الأوكرانية والتي تمتدّ شظاياها الى الدول الأوروبية، ويبدو أنّها ستطول لسنوات.
والأميركيون الذين يقودون المحور الغربي مع فرنسا، على ما أضاف المصدر، يهمّهم اليوم أمران أكثر من أي شيء آخر: الأول، تأمين الطاقة والنفط للدول الأوروبية في ظلّ انقطاع النفط الروسي، والثاني، تأمين استقرار دول الخليج والسعودية مع اليمن والحوثيين، والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط لا سيما عند الحدود اللبنانية الجنوبية للإفساح في المجال لاستجرار النفط والغاز من حقل “كاريش” وسواه الى القارّة الأوروبية. ومقابل تأمين هذين الأمرين الأساسيين والاستراتيجيين بالنسبة للأميركيين، لا مانع من إعطاء أكثر بكثير من ملف الرئاسة في لبنان.
من هنا، يتوقّع المصدر نفسه أن يأتي الضوء الأخضر من قبل الأميركيين، يكون كموافقة غير علنية، تليها موافقة من قبل السعودية من خلال مصلحتها بتأمين أجواء الاستقرار مع اليمن بشكل أساسي، على دعم فرنجية للرئاسة. يرافقها إلغاء خيار قائد الجيش العماد جوزف عون، ولا سيما أنّ الأميركيين يُدركون أنّه ليس باستطاعتهم فرض أي رئيس في ظلّ توازن القوى، والمصالح القائمة في الإقليم والعالم. علماً بأنّ جعجع أعلن أنّه “في حال تمكّن قائد الجيش من جمع الأصوات المطلوبة عبر تعديل الدستور، فـ “القوات اللبنانية” لن تمانع وصوله إلى سدّة الرئاسة، أي أنّها تتخلّى عن مرشّحها الحالي النائب معوّض. وهذا يعني بالتالي أنّه في حال قرّرت دول الخارج والسعودية عدم رفض وصول فرنجية، مقابل وصول السفير نوّاف سلام كرئيس للحكومة المقبلة، فإنّ جعجع سيغيّر موقفه من عدم تأمين النصاب لانتخاب فرنجية.
وفي الوقت الذي يجد فيه البعض أنّ “الثنائي الشيعي” قد رفع سقف المواجهة من خلال إعلان تبنّي ترشيح فرنجية، وهو سيتمسّك به حتى النهاية، يعتبر البعض الآخر أنّ ثمّة معادلة جديدة مع هذا الإعلان تقوم على إحراق ورقة ترشيح فرنجية من قبل قوى 8 آذار، مقابل إحراق ورقة ترشيح قائد الجيش المدعوم من دول الخارج، لتسهيل التسوية والاتفاق على اسم ثالث وسطي لرئاسة الجمهورية. ويشير المصدر في هذا السياق الى أنّ برّي بدّل موقفه في ما يتعلّق بترشيح العماد جوزف عون، من منطلق أنّ الرئيس الجديد لا يمكن أن يكون مطروحاً من قبل الأميركيين والفرنسيين ويوافق عليه “الثنائي الشيعي”. كذلك فإنّ الرئيس إذا لم يأتِ من فريق 8 آذار، فلا بدّ من أن يكون وسطياً ويوافق عليه كلّ من الطرفين، على اعتبار أنّ هذا هو أفضل حلّ للتسوية. ومن هنا، فإنّ إعلان السيّد نصرالله عن دعم ترشيح فرنجية، سيكون مدخلاً للوصول الى هذا الأمر.
وإذ بات معلوماً أنّ ترشيح فرنجية وُضع مقابل ترشيح قائد الجيش، الذي لم يُعلن أي منهما عن ترشيح نفسه للرئاسة، على ما لفت المصدر نفسه، يبدو أنّ الفرصة أصبحت متاحة أكثر لخروج الاسم الوسطي من نواة “تفاهم مار مخايل” الذي لا بدّ من إعادة إحيائه، وليس من خارجه. وهذا يعني الإتيان برئيس تسوية، يكون اسماً جديداً غير فرنجية وعون ومعوّض.
أمّا النقاش الذي طرحه السيّد نصرالله وترك الباب مفتوحاً على الحوار مع “التيّار الوطني الحرّ” ومع بقية المكوّنات السياسية، فيجده المصدر الأساس اليوم. فصحيح أنّه بحسب التجربة السياسية، أنّه عندما يدخل السيّد نصرالله في خيار ما لا يتراجع عنه، وبالتالي فإنّ إعلانه تبنّي ترشيح فرنجية لا رجوع عنه، وقد أجرى كلّ الحسابات الداخلية والإقليمية والدولية قبل اتخاذ قرار تبنّيه، غير أنّه قد ترك الباب مفتوحاً على النقاش عندما قال: “هيدا مرشّحنا وتفضّلوا للنقاش”، وأنّه “طالما لم نكتب الاسم على الورقة فكلّه قابل للنقاش”. وهذا الكلام موجّه للحلفاء كما للخصوم، أي للتيّار وللقوّات ولأي كتلة نيابية أخرى في المعارضة، ويعني أنّه بالإمكان البحث في الموضوع، أو التراجع عنه. في الوقت نفسه، ثمّة مازق أساسي أمام انتخاب فرنجية من قبل “التيّار” و”القوّات”، ولكن في حال حصول التسوية الإقليمية وتدخّلت كلّ من السعودية، ومن خلفها أميركا، فهل يبقى جعجع على موقفه، أم يذهب الى تأمين النصاب القانوني لجلسة الانتخاب؟
ورأى المصدر أنّه في ظلّ الصدام الدولي الحاصل، يُصبح أمام الدول الصغرى فرصة حقيقية لاسترجاع جزء من حقوقها، وهذه الأخيرة متاحة أمام لبنان بعد أن دخل في نادي الدول النفطية من خلال توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع الجانب الإسرائيلي وينتظر قيام شركة “توتال” الفرنسية بدء عمليات الاستخراج والتنقيب عن النفط في حقل “قانا” في البلوك 9. فإذا تمكّن لبنان من إمساك قراره بيده، فباستطاعته الاستفادة من هذه الفرصة المتاحة، سيما أنّ القوى الكبرى تفتّش عن مصالحها بالدرجة الأولى وتعتبر لبنان تفصيلاً ليس مهمّاً بالنسبة لها. وهي بالإجمال ضدّ ما يطرحه حزب الله ومع ما يرفضه. لهذا لا بدّ من حصول التسوية مع المقاومة وجميع المكوّنات السياسية في البلد، لمعرفة أي لبنان مستقبلي نريد؟ فالتحدّي من قبل أي طرف لا يوصل الى أي نتيجة، كما أنّ المواصفات التي يتمتّع بها فرنجية اذا توافرت في أي مرشّح آخرن فلا مانع لدى الحزب من انتخابه.