الجدل العقيم حول نصاب جلسة انتخاب الرئيس.. البعض كأنه يجهل تاريخ البلد
احمد زين الدين
يدخل الشغور الرئاسي يومه الـ19 من دون أن تلوح في الأفق بوادر أمل لحل سريع للانتهاء من هذا الفراغ الذي يتكرر للمرة السادسة في تاريخ لبنان الاستقلالي الذي نستعدّ للاحتفال بذكراه الـ79 بعد ثلاثة أيام، في وقت لحقت الجلسة السادسة لانتخاب الرئيس باخواتها الخمس بلا نتيجة ولا يتوقع للجلسة السابعة الخميس المقبل بأن تحمل أي نتيجة.
لكن المفارقة ان الجلسة السادسة حملت من بعض النواب نقاشا عقيما حول مسألة نصاب جلسة الانتخاب، حيث بدا فيها البعض انهم على جهل بتاريخ لبنان وبكيفية انتخاب رؤسائه منذ أول رئيس في زمن الانتداب الفرنسي عام 1926 حتى آخر رئيس في زمن الاستقلال وهو ميشال عون، وكنا في «اللواء» قد أشرنا الى ذلك في عدد يوم الأربعاء 16 تشرين الثاني الفائت، إذ انه حين أقرّ الدستور اللبناني كان عدد أعضاء المجلس النيابي 25 عضوا، فإذا كان النصاب في الدورة الثانية من الاقتراع النصف زائدا واحدا يعني 13 نائبا، فهل يعقل أن يتم انتخاب رئيس البلاد على سبيل المثال بسبعة نواب. وللإفادة نشير الى ان رئيسين في زمن الانتداب تم انتخابهما وهما: شارل دباس وإميل إده.
انتخب دباس من قبل مجلسي النواب والشيوخ الذين عقدوا مجمعا نيابيا بجميع أعضائهما الـ46 في 6 أيار 1926 وكان رئيس المجمع رئيس مجلس الشيوخ الشيخ محمد الجسر وانتخبوا بالإجماع الأرثوذكسي شارل دباس رئيسا للجمهورية لمدة ثلاث سنوات.
أما الرئيس الثاني الذي تم انتخابه في عهد الانتداب الفرنسي في 20 كانون الثاني 1936، فكان الرئيس إميل إده الذي انتخبه مجلس النواب (من 30 كانون الثاني1934 – 5 حزيران 1937) المؤلف من 25 عضوا (18 بالانتخاب و7 بالتعيين)، فنال إدّه في الدورة الأولى 13 صوتا مقابل 12 لبشارة الخوري، فأعيد الانتخاب مرة ثانية فنال إدّه 14 صوتا، مقابل 11 للخوري، وكان الصوت الـ14 لإدّه من كميل شمعون عضو الكتلة الدستورية التي يرأسها بشارة الخوري.
أما الرؤساء الأربعة الآخرين في عهد الانتداب الفرنسي فتم تنصيبهم بالتعيين وهم: حبيب باشا السعد، ألفريد نقاش، أيوب تابت، وبترو طراد.
أما في زمن الاستقلال، فقد كان عدد أعضاء مجلس النواب المنتخب في زمن الانتداب 55 عضوا وبدأت ولايته في 21 أيلول 1943، حيث اجتمع المجلس برئاسة أكبر الأعضاء سنّا، وكان النائب جورج زوين، وانتخب أولا رئيس المجلس النيابي فكان نائب البقاع صبري حمادة، الذي باشر على الفور عملية الاقتراع لرئيس الجمهورية، فكانت النتيجة على النحو الآتي:
المقترعون 47 نائبا، 44 منهم أيّدوا الرئيس بشارة الخوري، ووجدت ثلاث أوراق بيضاء، كما غاب عن هذه الجلسة النواب: إميل إده، كمال جنبلاط، أسعد البستاني، جورج عقل، عبد الغني الخطيب، جميل تلحوق، وأيوب تابت.
وفي 9 نيسان 1948 تم التوقيع من قبل 46 نائبا من أصل 55 نائبا للتجديد للرئيس بشارة الخوري الذي اضطر الى الاستقالة قبل 3 أيام من منتصف ولايته المجددة.
وفي 23 أيلول 1952 كانت جلسة انتخاب الرئيس الاستقلالي الثاني كميل شمعون، وكان عدد أعضاء المجلس النيابي قد أصبح 77 نائبا، فحضر الجلسة 76 نائبا، فانتخب شمعون 74 نائبا ووجدت ورقة بيضاء وورقة باسم عبدالله الحاج.
في 4 آب 1958 تم انتخاب اللواء فؤاد شهاب من قبل مجلس النواب الذي صار عدد أعضائه 66 نائبا، حضر منهم 56 نائبا، فانتخب شهاب بأكثرية 48 نائبا ووجدت ورقة بيضاء وسبع أوراق باسم ريمون إدّه.
وفي 18 آب 1964 انتخب الرئيس شارل حلو بحضور جميع أعضاء المجلس النيابي الـ99، نال منها الرئيس حلو 92 صوتا ووجدت ورقتان بيضاوان وخمس أوراق بإسم بيار الجميل.
ويوم الإثنين في 17 آب 1970 تم انتخاب الرئيس سليمان فرنجية في دورة اقتراع ثانية بأغلبية 50 صوتا مقابل 49 صوتا لإلياس سركيس.
وفي جلسة انتخاب الرئيس إلياس سركيس التي عقدت في قصر منصور في 8 أيار 1976 كان عدد أعضاء المجلس النيابي قد أصبح 97 نائبا بعد وفاة نائبين، حضر منهم 68 نائبا، فنال سركيس في الدورة الأولى 63 صوتا ووجدت 5 أوراق بيضاء، ونال في الدورة الثانية 66 صوتا.
في العام 1982 طلب حزب الكتائب و«القوات اللبنانية» فتوى من أحد الفقهاء الفرنسيين في القانون الدستوري بشأن انتخاب بشير الجميل، فأكد على نصاب الثلثين من أعضاء المجلس النيابي قانونا، أي 66 نائبا، على اعتبار أن المجلس النيابي كان قبل الطائف يتألف من 99 نائبا. لكن الرئيس كامل الأسعد وهيئة مكتب المجلس آنئذ أفتوا بثلثي أعضاء المجلس النيابي الأحياء، وبالتالي فإن النصاب كان في تلك الجلسة 62 نائبا، لأن المجلس النيابي كان قد فَقدَ سبعة نواب بالوفاة. وقاطع هذه الجلسة 30 نائبا كانوا يخططون لحشد 31 نائبا ليطيّروا النصاب لكنهم عجزوا عن ذلك، وبقي ينقصهم نائب واحد فقط لإنجاز مشروعهم.
بعد اغتيال بشير الجميل، انتخب النائب أمين الجميل بحضور 80 نائبا من أصل 90 نائبا أحياء، فنال الجميل 77 صوتا ووجدت 3 أوراق بيضاء.
وهكذا في كل جلسات انتخاب رؤساء لبنان بعد الطائف: إلياس الهراوي، اميل لحود، ميشال سليمان، وميشال عون. وهكذا ستكون في انتخاب رئيس لبنان الجديد.