Site icon IMLebanon

ضغوط الميدان والداخل على المقاومة

 

 

قبل بضعة أسابيع، شهدت الحدود الجنوبية استنفاراً كبيراً. بادر العدو، إثر مناورات ضخمة غير مسبوقة على الحدود اللبنانية والسورية، إلى انتشار عسكريّ وأمنيّ، يُنذر باحتمالات أعمال عدوانية. ونفّذ غارة على مصنع للأسلحة في بلدة مصياف السورية غير البعيدة عن دمشق وعن الحدود مع لبنان. وترافق ذلك مع تنشيط عمليّات التحرش في الجبهة الجنوبية، من خلال عمليات قصف لمراكز مدفعية سورية بحجّة سقوط قذائف في الجولان المحتل.

 

أدّت التهديدات الإسرائيلية إلى نقاشات واسعة لدى قيادة محور المقاومة. وجاء خطاب السيد حسن نصرالله، في مناسبة عاشوراء، ليعكس الخلاصات التي قالت بأن ارتفاع حافزية الحرب لدى العدو، وظهور مؤشرات دعم أميركي وسعودي لها، يفرض توجيه إنذارات من نوع مختلف. وهو ما ورد في خطابه لجهة تهديد العدو وقاطني الكيان بأن حرباً شاملة ستقع، غير معلومة المساحة والمدّة ونوعية المعركة.

إثر ذلك، تراجعت التهديدات الإسرائيلية، وبدت الولايات المتحدة أقرب إلى مواصلة سياسة الحصار والعزل لإيران وحزب الله والحكومة السورية وقوات الحشد الشعبي في العراق. ومواصلة الضغط على أنصار الله في اليمن وإطلاق عملية كبيرة لمحاصرة المقاومة في فلسطين. وأرفقت واشنطن خطواتها هذه، بإطلاق أوّل عملية من نوعها في تاريخ إسرائيل، تمثّلت في قرار إقامة قاعدة عسكرية جنوب فلسطين المحتلة، وتوسيع الحضور الأميركي الأمني والعسكري في الكيان. وهو أمر يجري بالتنسيق مع توسيع واشنطن لعدد ونوعية قواعدها العسكرية في سوريا والعراق، والتي بلغت حتى الآن نحو 16 قاعدة، بينها مجموعة قريبة من الحدود الشمالية لفلسطين المحتلّة.

 

لكن إسرائيل التي تعلمت خلال السنوات الخمس الماضية أنها لا تملك ترف الاتكال على الآخرين، وبينهم الولايات المتحدة، تجد نفسها ملزمة العمل المباشر ضدّ محور المقاومة. وهي تؤمن بأن إضعاف حزب الله يمثّل المدخل الأساسي لإضعاف هذا المحور، نظراً إلى دوره وتأثيره في أكثر من ساحة عربية وإقليمية. وهي عادت لتفعّل عملها الأمني الاستطلاعي أو حتى التنفيذي، وما لجوء العدو إلى هذه الطريقة الغريبة في الحديث عن أحد كوادر المقاومة البارزين الذي يتولى مهام في سوريا (الحاج هاشم في منطقة الجنوب السوري) ومبادرتها إلى تهديده بهذه الصورة غير المسبوقة، إلا إشارة على طريقة جديدة في العمل لدى العدو. وهي خطوة قد تقصد منها تعديل قواعد الاشتباك مع المقاومة مرة جديدة. والمقصود هنا، أن العدو الذي توقف ــــ تحت الضغط ــــ عن استهداف المقاومة عدة وعديداً في لبنان، ظلّ يحاول التعويض من خلال استهداف مصالح تخصّ المقاومة في سوريا. وهو عمد سابقاً إلى اغتيال كوادر من الحزب، من شهداء القنيطرة إلى سمير القنطار. لكن، المقاومة أوصلت إلى العدو الرسالة بأن استمرار هذا الأمر يستلزم الردّ بالمثل. وهو أمر جرى ردّاً على جريمتي القنيطرة والقنطار. وأدّت العمليات في حينه، إلى توقف العدو عن استهداف العناصر البشرية في صفوف المقاومة، حتى أنه في إحدى المرات، التي كان العدو يستهدف ما قال إنه قافلة أسلحة للحزب تتجه صوب لبنان، أطلق صواريخ تحذيرية كان هدفها ابتعاد العناصر البشرية عن القافلة قبل أن يجري قصفها لاحقاً.

ومع أن الإعلام الحربي في المقاومة عمد خلال الأيام القليلة الماضية إلى نشر صور ورسائل بالعبرية والعربية تقول للعدو بأن المقاومة جاهزة أيضاً لتوجيه ضربات في حال تم استهداف قياديين منها (بعد تهديد الحاج هاشم)، فإن صورة الموقف لن تكتمل إلا في حال حصول ما لا يُتاح للجمهور عادة الاطلاع عليه، أو في حال تورّط العدو في عملية أمنية – عسكرية، توجب تظهير الأمور إلى العلن.

لكن سياق المواجهة مع حزب الله لا يقتصر على هذا الجانب فقط. فقد بدأت أخيراً موجة ثانية من الضغط، يتعلق جانب منها بالوضع الداخلي اللبناني، من خلال محاولة سعودية حثيثة لإعادة تنظيم صفوف حلفائها هنا، وتنشيط الدور الأمني بالتعاون مع سفارات عربية وغربية. وجانب آخر، يتعلق بكيفية تطبيق قوانين العقوبات الجديدة التي فرضتها الإدارة الأميركية على ما تعتبره الجسم الداعم لحزب الله ماليّاً. وهو ضغط يتوقع أن يزداد يوماً بعد يوم، ولا يبدو أن الاميركيين يأبهون للضرر الكبير الذي يصيب مصالح حلفائهم في لبنان جراء هذا النوع من المعارك. لكن اللافت أن جانباً من المشرفين على القطاع المصرفي اللبناني، يكرّر الحديث أمام الأميركيين والأوروبيين والعرب عن مخاطر الحملة غير المنظّمة. كما أن الرئيس سعد الحريري، لا يزال يكرّر تحذيره من أن السير في مواجهة شاملة مع حزب الله، لن تضرّه لوحده فحسب، بل ستجعل الفريق الحليف لأميركا والسعودية في لبنان يخسر الكثير من مواقع السلطة والنفوذ في لبنان. مع تكرار الحريري أنّ حزب الله نفسه لا يبدو متأثراً بكلّ هذه العقوبات، وأن أي تعديل لم يطرأ على جميع برامجه الداخلية أو الإقليمية، وأن التعاطف معه على الصعيد اللبناني العام، لم يتراجع بخلاف ما يروّج له آخرون، لا سيما «القوات اللبنانية». ويساعد الحريري في موقفه هذا، الموقف ــــ ولو غير المؤثر كثيراً هذه الفترة ــــ للنائب وليد جنبلاط وقيادات أخرى كانت محسوبة على فريق 14 آذار. ويصل كلام البعض في هذا السياق، إلى حدود لفت انتباه من يهمه الأمر في الخارج، بأن أيّ مواجهة مع حزب الله وحلفائه، قد تنتهي هذه المرة إلى خروج كامل فريق 14 آذار من مواقع السلطة. فكيف الحال، وهذا الفريق لم يعد متماسكاً، ما يزيد الشكوك حول قدراته في الانتخابات النيابية المقبلة، والتي قد لا تسمح الولايات المتحدة والسعودية بحصولها دون ضمان احتفاظهما بأغلبية المقاعد البرلمانية فيها.