لا شيء لدى بشار الأسد أهم من معركة البقاء. من أجلها يقدّم كل شيء. القتلى والجرحى من السوريين عموماً ومن مؤيديه خصوصاً. الدمار وتفكيك النسيج الاجتماعي… وصولاً إلى هدر الهوية الاجتماعية والدينية لأحياء بارزة في سوريا؛ فما كان معلوماً على نحو محدود من بداية الثورة السورية، بات واضحاً على نحو واسع اليوم، لا سيما في أيام عاشوراء، والصور الواردة من عاصمة الأمويين تنبئ بالضرائب التي يدفعها نظام الأسد لحُماته في إيران من أجل هذا البقاء.
لقد بات مألوفاً في شوارع دمشق، مشهد المسيرات العاشورائية التي ينظّمها إيرانيون وعراقيون ولبنانيون… وهي محمية ومسهّلة من قِبَل النظام السوري. هؤلاء لم يقدِموا إلى دمشق من أجل إحياء طقوس دينية وحسب، وإنما قدِموا للقتال (لواء أبي الفضل العباس، وعصائب أهل الحق…)، وفي ما بعد استقدموا عائلاتهم، فأسهموا في تغيير النسيج الاجتماعي في سوريا.
وتأتي هذه المظاهر ترجمة لمسار اتبعه بشار الأسد، منذ بداية الثورة السورية من أبرز عناوينه:
ـ استقدام مقاتلين غير سوريين للدفاع عن النظام السوري، وتحت حجة الدفاع عن المراقد الدينية، لا سيما في حي السيدة زينب في دمشق. كثير من هؤلاء استقدموا عائلاتهم، واستوطنوا أحياء في دمشق. كما تشهد مناطق حول دمشق سعياً واضحاً لتصبح أحياءً شيعية مترابطة جغرافياً (الذيابية، الحسينية، سبينة، وصولاً إلى داريا والمعضمية وقدسيا). يضاف إلى ذلك المناطق التي احتلها «حزب الله» في القصير والقلمون، وغيّر من التركيبة السكانية لأهلها، بحيث بات ممنوعاً على الأسر السنية غير الموالية للنظام العودة إلى بيوتها وأملاكها، وقد حلت محلها أسر أخرى شيعية وموالية للنظام من السوريين وغير السوريين.
ـ منح أراضٍ وتسهيل شراء أخرى لإقامة حسينيات ومراكز تتبع السفارة الإيرانية، وانتزاع حق إدارة استثمار عقارات وقفية كثيرة في سوريا، لا سيما تلك التي ينسبها أئمة الشيعة لآل البيت، من مديرية الأوقاف الإسلامية إلى السفارة الإيرانية أو الجمعيات التي تهتم بنشر التشيع كجمعية المرتضى، على سبيل المثال.
ـ سنّ قوانين ومراسيم لتسهيل توطين غير السوريين الموالين لبشار، بلغت ذروتها من خلال السماح لهم بأخذ أملاك المهجرين السوريين، الذين تصادر الأجهزة الأمنية أملاكهم، إضافة إلى تسهيل منح هؤلاء الجنسية السورية.
ـ فرض تعليم المذهب الشيعي الاثني عشري في المناهج الدراسية السورية، بناءً لمرسوم أصدره بشار الأسد هذا العام، وقد سبقه مرسوم قضى بافتتاح مدرسة شرعية شيعية، في قرية رأس العين شرق مدينة جبلة. وهذه المأسسة للتشييع في سوريا كانت مدعاة لاحتفالية إيرانية بعنوان «تشجيع التشيع في كتب المناهج السورية» على ما أعلنته إحدى الفضائيات الإيرانية. ومن المفترض أن يفتتح الأسد شخصياً، في حال بقائه بالحكم، أول مدرسة شيعية في دمشق، سيطلق عليها اسم مدرسة «الرسول الأعظم»، تمولها إيران.
إن ما يحدث في سوريا ليس حرية اعتقاد، فالتشيع أو التسنن حرية شخصية مضمونة في سوريا وفي غيرها من البلدان الإسلامية، ولكنه المشروع الإيراني الذي يريد أثماناً لوقوفه المستميت إلى جانب نظام لا يشبه ثورة الإمام الحسين بشيء، بل هو بالتمام نقيضه الذي يشبه قتلته.