«لن أقبل بإعادة النظر في سعر ربطة الخبز». هذا ما أكّده وزير الاقتصاد منصور بطيش، أمس، إلى «الأخبار»، مشدداً على «أولوية الأمن الغذائي في هذه المرحلة الحرجة». إلا أن المعطيات المُستقاة من كل من نقابة المطاحن ونقابة أصحاب الأفران توحي بواقع لا يُشبه الثقة التي تحدّث بها بطيش، وتُنبئ إمّا بتأجيل رفع سعر ربطة الخبز إلى الشهر المُقبل، أو بخفض وزنها.
بطيش استند في تصريحه «التطميني» إلى اتفاقٍ مع أصحاب المطاحن قضى بخفض سعر طن الطحين من 590 ألف ليرة إلى 565 ألفاً خلال كانون الثاني «كحدّ أقصى خلال شهر كانون الأول الحالي»، مُشيراً إلى «أنه تم الاتفاق مع أصحاب المطاحن على تسليم الطحين بالليرة اللبنانية. الأمر الذي يؤدي إلى خفض نحو 6% من سعر طن الطحين». إلّا أن محاولات بطيش لـ«سحب ذرائع» رفع سعر ربطة الخبز، يواجهها أصحاب الأفران بحجة ارتفاع أسعار مواد أخرى، غير الطحين، تدخل في صناعة الخبز (خميرة، سكر، نايلون وغيرها)، مصرّين على عدم المس بهامش أرباحهم.
(مروان طحطح)
رئيس نقابة أصحاب الأفران كاظم إبراهيم قال في اتصال مع «الأخبار» إن «وضع الأفران في مواجهة مع الناس أمرٌ مرفوض. والنقابة لن تقبل بخفض وزن ربطة الخبز أو رفع سعرها، لكن على الدولة أن تتحمّل مسؤوليتها وليس صاحب الفرن»، لافتاً إلى أن رفع سعر ربطة الخبز أمر منوط بوزارة الاقتصاد.
إلّا أن هذا يتناقض مع ما نقلته مصادر عن رفض عدد من أصحاب الأفران تحمّل مسؤولية غلاء المواد الأخرى «التي تُشكّل نحو 30% من إجمالي الكلفة»، ونيّتهم عقد اجتماع موسّع، اليوم، للبحث في خيار تنقيص وزن ربطة الخبز «بمعزل عن قرار الوزير بطيش».
وإلى رفض أصحاب الأفران المسّ بأرباحهم بحجة غلاء سعر بقية المواد التي تدخل في صناعة الخبز، ثمّة شقّ يتعلق بقدرة أصحاب المطاحن على الاستمرار في قرار خفض سعر طن الطحين، إذ لفت رئيس نقابة أصحاب المطاحن أحمد حطيط، في اتصال مع «الأخبار» إلى أن النقابة تجاوبت مع «تمنّي» الوزير بطيش خفض سعر الطن، «على أن يتم تسعير الطن كل شهر بشهره»، لافتاً إلى أن أصحاب المطاحن يعانون حالياً من مشكلة الاستيراد التي تتعدّى مسألة تأمين الـ15% من الاعتمادات بالدولار (استيراد القمح خاضع لتعميم مصرف لبنان الذي يقضي بتأمين 85% من الاعتمادات للمستوردين بالدولار وفق سعر الصرف الرسمي)، وتتجاوزه إلى «قلة ثقة الموردين بتسديد الدفعات نتيجة القيود على التحويلات».
كلام حطيط يعني، عملياً، أن خفض سعر طن الطحين محصور بالشهر الحالي، وقد لا يستمر في الأشهر المُقبلة. وهو ما يثير شكوكاً حول قدرة «صمود» سعر ربطة الخبز من دون التنقيص من وزنها في ظلّ رفض أصحاب الأفران المساس بأرباحهم، وفي ظل ترقّب أصحاب المطاحن المشروط للأوضاع.
اتفاق على خفض سعر طن الطحين خلال الشهر الجاري على أن يُعاد تسعيره شهرياً
على صعيد مُتصّل، يبرز خيار زرع القمح كوسيلة لمواجهة معضلة الاستيراد في ظل الظروف الراهنة. ووفق وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال حسن اللقيس، يستورد لبنان سنوياً بقيمة مليارين و700 مليون دولار من الطحين (كان لبنان يستورد نحو 450 ألف طن، ارتفع إلى 900 ألف بفعل النزوح السوري). وأشار إلى أن القمح المزروع في لبنان «قمح قاسٍ تشتريه الدولة من دون أن تتمكّن من الاستفادة منه لتصنيع الطحين المستخدم للخبز».
ووفق أرقام مديرية الجمارك، استورد لبنان في عام 2019 نحو 24 ألفاً و969 طناً من دقيق حنطة القمح فقط بقيمة 10 ملايين دولار وصدّر 231 طناً بقيمة 144 ألف دولار. كما استورد 2735 طناً من دقيق حبوب (بقيمة مليون و380 ألف دولار) وصدّر 56 طناً بقيمة 85 ألف دولار.
وعليه، أطلقت وزارة الزراعة أخيراً، «في ظلّ الأزمة الحالية، وإقبال الناس على الزراعة، مبادرة لدعم زراعة القمح»، وفق اللقيس. وفتحت الوزارة باب الطلبات حتى الخامس من الشهر الجاري أمام المزارعين الراغبين ببيع محصولهم الزراعي للدولة. يقرّ اللقيس بأن هذه الخطوة لن تحلّ، فوراً، المُشكلة الراهنة، «لكنها كفيلة في ما بعد بتخفيف الاستيراد وتجنب تداعيات الارتهان له».