IMLebanon

ثمن اغتيال رفيق الحريري

 

تمرّ اليوم الذكرى السنوية الثالثة عشرة لاغتيال رفيق الحريري ورفاقه. كان ذلك في الرابع عشر من شباط (فبراير) 2005. لم يُحرم لبنان من رفيق الحريري، بل حُرمت منه المنطقة. حُرمت المنطقة من رجل كان يسعى إلى ربطها بكلّ ما هو حضاري في هذا العالم.

 

تمرّ الذكرى فيما المنطقة كلّها تدخل مرحلة في غاية الخطورة. لعلّ أكثر ما يعبّر عن هذه الخطورة الأحداث التي شهدتها سوريا أخيراً، بما في ذلك إسقاط طائرة «أف- 16» إسرائيلية. لم يعد سراً أنّ من بين الأسباب التي أدت إلى الوضع الإقليمي الراهن الرغبة الإيرانية في متابعة تنفيذ مشروع توسّعي من بين أهدافه تكريس إيران دولة متوسطية. ليس صدفة الكلام الصادر عن مسؤولين إيرانيين في مرحلة ما بعد اغتيال رفيق الحريري عن أن طهران باتت تتحكّم بثلاث عواصم عربية هي دمشق وبغداد وبيروت. زاد هؤلاء صنعاء على العواصم الثلاث بعدما سيّطر عليها الحوثيون (أنصار الله) في الواحد والعشرين من أيلول (سبتمبر) 2014.

 

معروف من اغتال رفيق الحريري. تتوضّح الحقيقة مع كلّ يوم يمرّ، ويتوضّح السياق الإقليمي للجريمة. لكن السؤال الذي يظل يطرح نفسه بإلحاح هو كيف كان يمكن لنظام بشّار الأسد المشاركة في تغطية مثل هذه الجريمة؟ الجواب بكل بساطة إن نظاماً يذبح شعبه بالطريق التي يفعلها لا يمكن أن يتورّع عن شيء. لا يمكن لمثل هذا النظام إلّا أن يكون شريكاً، أقلّه في تغطية جريمة تفجير موكب رفيق الحريري ورفاقه.

 

لم يدر في خلد بشّار الأسد في أيّ وقت أن الجريمة لن تمرّ وأن سوريا كلّها ستدفع، للأسف الشديد، ثمن الجريمة التي استهدفت رجلاً كان قادراً على الدفاع عنها وعن وحدة أراضيها وعن كلّ ما هو عربي في المنطقة. كان رفيق الحريري ضمانة لوحدة سوريا التي صارت تحت خمس وصايات والتي تبدو مقبلة على مزيد من التفتت. ولكن ما العمل عندما يكون حاكم سوريا يعتقد أنّ في استطاعته أن يفعل ما يشاء في لبنان وأن كل الجرائم التي ارتكبها النظام، بدءاً باغتيال كمال جنبلاط في العام 1977.. وصولاً إلى اغتيال بشير الجميّل في العام 1982، مرّت من دون حسيب أو رقيب.. أو مجرّد سؤال.

 

بعد كلّ الذي حصل منذ العام 2003، تاريخ تسليم الولايات المتحدة العراق على صحن من فضّة إلى إيران، لم يعد ما تمرّ به المنطقة مستغرباً. لم يعد مستغرباً حتّى أن تعتبر إيران نفسها جزءاً من المعادلة السورية وأن ترى في وجودها في سوريا وممارستها نوعاً من الوصاية على لبنان، وعلى بيروت تحديداً، تكريساً لتحوّلها إلى دولة متوسطية. هل هذا ممكن أم لا؟ هل هذا وارد؟

 

لا يمكن عزل اغتيال رفيق الحريري عن الأحداث الجسام التي شهدتها المنطقة منذ حصول الزلزال العراقي الذي اعتقدت إيران أنّه يصب في خدمة مشروعها التوسّعي. ما نشهده اليوم في سوريا ولبنان يؤكد ذلك. صحيح أن لبنان ما زال يقاوم بفضل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الذي يحاول الدفاع عن البلد عن طريق بذل كلّ ما يستطيع من أجل حماية الاستقرار، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ إيران نفسها باتت في حال هروب مستمرّة إلى أمام تفادياً لمواجهة الأزمة الداخلية العميقة التي تعاني منها.

 

على من يُقدم على جريمة في حجم اغتيال رفيق الحريري توقع نتائج فعلته. كان الرجل الذي أعاد الحياة إلى بيروت وأعاد وضع لبنان على خريطة الشرق الأوسط والعالم رجل سلام وإعمار أوّلاً. كان يعرف معنى أن يعود وسط بيروت مكاناً يلتقي فيه جميع اللبنانيين من مختلف الطوائف والمذاهب والمناطق. كان يعرف معنى أن يكون لبنان بكل مدنه وبلداته وقراه وجهة للعرب والأوروبيين والأميركيين صيفاً وشتاءً، ربيعاً وخريفاً.

 

يدفع الذين تورطوا في اغتيال رفيق الحريري بطريقة أو بأخرى ثمن جريمتهم. المؤسف في الأمر أنّ لبنان كلّه يدفع ثمناً، كذلك سوريا. تكمن مشكلة الذين يقفون وراء اغتيال رفيق الحريري انّهم لم يفكّروا في اليوم التالي. كان أفضل من عبّر عن منطق هؤلاء إميل لحّود رئيس الجمهورية وقتذاك. وصف إميل لحّود الجريمة بأنّها «رذالة». أكثر من ذلك، سارع في الجلسة الأولى التي عقدها مجلس الوزراء بعد الجريمة إلى المطالبة بإعادة فتح الطريق حيث وقع الانفجار. كانت حجته أن الناس يجب أن تنصرف مجدداً إلى أشغالها، حتّى لو كان ذلك يعني العبث بمسرح الجريمة.

 

لم يدرك النظام السوري أنّه سيتوجب عليه سحب جيشه من لبنان نتيجة اغتيال رفيق الحريري. لم تدرك إيران أن رغبتها في ملء الفراغ الناجم عن الانسحاب السوري من لبنان سترتدّ عليها في المدى الطويل وأنّ طموحها في استكمال الهلال الفارسي سيبقى مجرّد أوهام حتّى لو وضعت يدها على العراق.

 

دفع النظام السوري الثمن غالياً. بدأ سقوطه الفعلي في اليوم الذي اجتاز فيه الجنود السوريون الحدود اللبنانية. لم يعد بشّار الأسد موجوداً في دمشق إلّا بفضل الإيراني والروسي. لم يعد بعيداً اليوم الذي تكتشف فيه إيران أنّه سيكون عليها الانسحاب من سوريا وأن سياسة تقوم على التمدد المستمر خارج الحدود ليست سياسة بمقدار ما أنهّا مغامرة فاشلة سلفاً. هذا عائد بكل بساطة إلى أن إيران لا تمتلك القدرة على لعب دور القوة الإقليمية المهيمنة، لا لشيء سوى لأن اقتصادها لا يسمح لها بذلك.

 

ما تبيّن بعد غياب رفيق الحريري أن نظاماً مثل النظام الإيراني يستطيع أن يدمّر ولا يستطيع أن يبني. ماذا تفعل إيران في العراق؟ ماذا تفعل في سوريا؟ ماذا تفعل في لبنان؟ ماذا تفعل في اليمن؟ لماذا عينها دائماً على البحرين؟

 

عاجلاً أم آجلاً، سيظهر جليّاً أن من ارتكب جريمة اغتيال رفيق الحريري، وهي جريمة حاول المُخطط والمنفّذ تغطيتها بجرائم أخرى، من اغتيال سمير قصير.. إلى اغتيال محمد شطح، سيلقى عقابه. لم يكن الأمر يتعلق بمجرّد التخلّص من رجل من منطلق أنّه يمثل مشروعاً سياسياً واقتصادياً يصب في مصلحة السوري واللبناني وكلّ عربي في المنطقة. كان حجم الجريمة أكبر من ذلك بكثير. عندما انسحب النظام السوري من لبنان، إنّما انسحب من سوريا. عندما سينسحب النظام الإيراني من سوريا مع ميليشياته، سينسحب أيضاً من إيران..