صُعِقتُ عندما رأيتُ وجه صديقتي في الأمس، وقد علت عينها اليمنى كدمة زرقاء. قالت إنه شعر بالغيرة. قالت إنه نادم. قالت إنه لن يعيدها. قالت إنه “يحبّها”.
أشياء كثيرة تحدث في العالم باسم الحبّ: شعراء وشاعرات يكتبون قصائد محمومة لمحبوباتهم أو محبوبيهم؛ طلبات خطوبة وزواج. أشخاص يتألمون من عذاب الفراق، وآخرون يسبحون في بحر من السعادة. ولكن، ثمة نوع من الرجال لديه تحديد آخر للحبّ. فهناك مَن يضرب زوجته لأن رجلاً نظر إليها، بعين تشتهي. وهناك مَن يقتل حبيبته لأنها تريد الارتباط بسواه. وهناك مَن يحرق وجه معشوقته بالأسيد لأنه يريد إجبارها على الزواج به… عشرات بل مئات من الجرائم المماثلة التي لا تكاد تصدّق، وتمارَس بلا عقاب، في مجتمعات متطرفة ورجعية وذكورية. عشرات بل مئات من المجرمين الجبناء في العالم الذين، بحجة الحبّ والشغف، يرتكبون الفظائع ويلغون الأنثى، “ملكيتهم” المطلقة، جسدياً، بعدما دأبوا على إلغائها معنوياً واجتماعياً وثقافياً بحجة الدين، الكلية القدرة.
قولوا معي لأمثال هؤلاء من مشوِّهي الحبّ: الحبّ حارق، من دون شك. يحرق أرواحنا، أجسادنا، أحلامنا. يحرق نظراتنا، يؤجج أشجارنا، يجترح ألوان سمائنا. يحرقنا على حين غرة، بينما كنا نظن نفعل شيئاً آخر، بينما كنا نتخيل أنفسنا في أمكنة اخرى. يضع ضوءه مقابل ضوئنا، كي ندرك كم أننا عاجزون أمامه، كي نكتشف أن جمرة صغيرة منه تكفي لتعيد خلق عالمنا الضئيل. الحبّ يحرقنا، أجل، لكنه لا يدمّرنا ولا يدفعنا الى تدمير مَن نحب. وإلاّ، هو لا يكون حبّاً.
قولوا معي لأمثال هؤلاء من مشوِّهي الحب: هناك ثمن للحبّ، بالطبع. ثمن الشجاعة، ثمن الخوف، ثمن اليقين، ثمن الشكوك، ثمن الآمال، ثمن المجازفات، ثمن الارتباكات، ثمن الحاجات، ثمن القرارات، ثمن التنازلات، ثمن الأفراح التي لا تطاق، والأوجاع التي لا تُحتمل، ثمن الأسئلة التي تظل بلا جواب، ثمن الأجوبة الخاطئة أو الناقصة، ثمن الرغبات التي لا يمكن أن تشبع، ثمن اليد الممدودة لتقطف أكثر، دائما أكثر…؛ لكن ثمن الحبّ لا يمكن أن يكون يوماً، الضرب أو القتل. وإلاّ، هو لا يكون حبّاً.
الحب يغيّرنا لكنه لا يحوّلنا جثثاً. وإلاّ، هو لا يكون حبّاً.
إذا كان هذا حبّاً، في الواقع والفعل، فإني أسأل نفسي، كيف تكون الكراهية إذاً؟ إذا كان هذا حبّاً، فإني أقول، إنه كان يمكن هؤلاء النساء الاستغناء عنه. بل كان يجب أن يستغنين عنه!