كما في واشنطن كذلك في طهران: تحضير الأجواء لصفقة الملف النووي الايراني. شيء من مخاطبة الخائفين من الاتفاق في الداخل والخارج بالقول إن هواجسهم مأخوذة في الحسابات. وشيء من تطمين الخائفين على الاتفاق الى أن الدعم جدي وقوي. وكل شيء منهجي في الخطاب: من التذكير بالثوابت الى التكيّف مع المتغيرات.
ذلك أن سياسة عايز ومستغني هي جزء من فن التفاوض. ومن أصول اللعبة في الانتقال من العداء الى التفاهم حرص الأطراف على الايحاء خارج قاعات التفاوض أن المتفاوضين لم يتجاوزوا خط اللاعودة. فوزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف يقول إن الفشل في التوصل الى اتفاق ليس نهاية العالم، وهو يسمع نظيره الأميركي جون كيري يردد قول الرئيس أوباما أن حظوظ الاتفاق هي خمسون في المئة. والمرشد الأعلى علي خامنئي يرد على قول أوباما ان اللاإتفاق أفضل من اتفاق سيئ بالقول إن اللاإتفاق أفضل من اتفاق يتعارض مع مصالحنا الوطنية.
لكن هذا دوران حول جوهر الموضوع. فالوزير ظريف يحذر زملاءه من تفويت فرصة قد لا تتكرر هي بالطبع رهان الرئيس حسن روحاني على تسوية تنهي العقوبات. وفي واشنطن وعواصم أوروبا من يرى ان أوباما هو فرصة تاريخية للايرانيين وعليهم اغتنامها.
ولا مجال للخطأ في قراءة خطاب خامنئي ورسائله على العنوان الأميركي وعنوان المحافظين المتشددين في ايران. أولاً لجهة القول مباشرة: أنا أدعم بحزم صفقة نووية عادلة، والأمة الايرانية أيضاً لن تعارض أية صفقة تحافظ على كرامتها وعزتها. وثانياً لجهة التسليم بأن التسويات تحتاج الى تنازلات متبادلة، عبر اعلانه دعم قول روحاني إن هدف المفاوضات هو التوصل الى موقف مشترك، وهذا يعني وجوب ألاّ يعتقد جانب بأن الاتفاق سيشمل كل ما يريد.
ولا أحد يجهل ان صفقة الملف النووي والعقوبات الاقتصادية تشمل أيضاً ملفات مهمة في الصراع الجيوسياسي. فالمسألة التي تشغل الجميع هي الأدوار والنفوذ في النظام الاقليمي. والسؤال هو من يأخذ ومن يدفع ثمن التسوية النووية؟ الى أي حدّ تستطيع أميركا التحالف مع ايران والتسليم بدورها من دون أن تضع في حساباتها أدوار السعودية ومصر وتركيا واسرائيل؟ وهل للبنان مكان في الصفقة، سواء دقّت ساعة الاتفاق فيه أو الاتفاق عليه؟
مهما يكن الجواب، فان طهران تحاول ان تأخذ حصتها بيدها على الأرض في سوريا والعراق واليمن ولبنان من دون انتظار الصفقة مع أميركا أو لفرض الأمر الواقع على أميركا في الصفقة. وليس لدى أصدقاء أميركا العرب سوى الرهان على وعود سمعوها من أوباما المتردد والمشغول بأولوية التسوية مع ايران كأهم انجاز في سجله الرئاسي الخارجي.