بدت المقاربة الايرانية للاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع الدول الــ (5+1) وكأن الامور قد جاءت لمصلحة ايران بدليل ما حفل به الاعلام الايراني، باستثناء القول ان الاميركيين ظهروا مع حلفائهم وكأنهم قد اركعوا الايرانيين، بدليل اخر حيث لا تزال واشنطن ومن معها يتسابقون على القول انه في حال لم تلتزم ايران بمنطوق الاتفاق ستجد نفسها امام قصاص سياسي – عسكري، وما يثير التساؤل في هذا الصدد عن جدوى تطبيل ايران ومن معها لجهة القول انها حققت المرجو من وراء توقيع الاتفاق!
ان قول طهران ان الاتفاق النووي ليس ما كانت تتطلع اليه، لم يعكس وجهة نظر من كان على قرب من المفاوضات المضنية التي خاضتها ايران، بقدر ما فهم ان التحذيرات لا تزال قائمة في حال لم تلتزم طهران بالاتفاق، فيما هناك من يجزم من المراقبين الدوليين بأن ايران قد تراجعت عن تصلبها اكثر بكثير مما كان متوقعا، وهذا بدوره من ضمن ما تردد عن ان اليد الاميركية لا تزال متحكمة بالاتفاق ان لجهة مراقبة التخصيب النووي او لجهة تشغيل المفاعل لما فيه من حركة عسكرية يفهم منها ان ايران لا تزال تطمع بان تحتل موقع الدولة النووية؟
والمفارقة في هذا المجال تبدو واضحة من خلال ما صدر عن الزعيم الديني الايراني علي خامنئي فيما كان موقف الرئيس الايراني الإصلاحي حسن روحاني الذي جير كل ثقله السياسي والاداري لتجنب فشل المفاوضات، وقد قيل انه كان وراء نجاح الاتفاق النووي، من غير حاجة للتوقف عند ما صدر عن خامنئي، الى حد القول انه لو ترك القرار بيد الزعيم الروحي لما كان قد تم الاتفاق المرهون بعشرات السنين من الالتزام الايراني بنصوصه كما بالنسبة الى تطبيع العلاقة بين «الشيطان الاكبر» اي اميركا والدول الغربية الاخرى!
وعلى من يكابر بالنسبة الى مصلحة ايران في الاتفاق، ترى اوساط مطلعة ان الافراج عن الاموال يحتاج الى ست سنين ما يدل على ان الذي ركع هو طهران وليست واشنطن او اي من الدول (5+1) وهذا ما اشار اليه وزير الخارجية الروسية الذي تابع المفاوضات من بداياتها حتى نهاياتها وقوله بالتالي ان «افضل ما يجوز تصوره هو تنفيذ ايران الاتفاق بحذافيره، وكل ما قيل عكس ذلك دل بوضوح على ان الحكومة الايرانية اقتنعت اخيرا بانها غير قادرة على معاكسة الرغبة الدولية في ان تصبح دولة نووية؟!
واللافت في هذا الخصوص ان المراقبة الدولية التي نص عليها الاتفاق النووي تكاد تكون النقطة الابرز التي توصل اليها المفاوضون حيث يفهم خصوم ايران ان لا مجال للمسايرة، حيث ممنوع الغلط الذي تحدثت عنه اوساط ديبلوماسية عليمة عندما قالت ان اي خطأ في تنفيذ الاتفاق النووي، بحذافيره سيؤدي تلقائيا الى العودة عنه بما في ذلك اعتباره وكأنه لم يكن، ما يعتبر قرارا ضمنيا بحد ذاته ليس بوسع طهران تجنب محاذيره!
ان اصرار الولايات المتحدة الاميركية على عرض الاتفاق النووي على مجلس الامن الدولي، دليل اخر على رغبة واشنطن بعدم التساهل ازاء اي خطأ ترتكبه ايران في معرض ترجمتها الاتفاق، وكي لا يقال لاحقا ان ايران ترجمت لعبة سياسية من تحت الطاولة، وصولا الى كسب الوقت، فضلا عن ضرورة افهام طهران ان الامور الدولية تقاس بمدى الالتزام بها بمعزل عن اي خرق يفهم منه ان بوسع طهران العودة الى نقطة الصفر بعد استعادتها مليارات من الدولارات من الدول التي كانت تحتجزها (…)
يبقى القول ان المدلول السياسي للاتفاق، يلزم طهران صراحة بتجنب اللعب بمصالح دول حليفة لاميركا مثل دول التعاون الخليجي بما في ذلك العراق وسوريا واليمن، حيث لا بد وان يتغير كلام طهران على هذه الامور في المستقبل المنظور، لاسيما بالنسبة الى ما هو حاصل في العراق وسوريا، حيث لا يعقل ان تستمر ايران في اندفاعتها العسكرية في البلدين، ما يعني توقع حصول متغيرات في كل من العراق وسوريا اضافة الى ما هو مرتقب في اليمن حيث للايرانيين اصابع اتهام هنا لما فيه المشروع الشيعي!
يبقى القول ان الاسرائيليين الذين اغضبهم الاتفاق النووي سيكون لهم دور في خفض معدل انتقادهم، حيث سيستعيضون عن الكلام السياسي – العسكري بكلام عن مشاريع تهويد المزيد من المناطق الفلسطينية، بما في ذلك الاراضي التي اعادتها في اعقاب حرب العام 1967، لاسيما ان العين اليهودية تصب جهودها على تهويد مدينتي القدس تحت عنوان مدينة واحدة، من غير حاجة الى القول ان التيار اليهودي المتصلب يمكن ان يتراجع على مشروع الدولة اليهودية الموحدة!
ليس بالضرورة ان ينجح بنيامين نتانياهو في تهويد فلسطين لكن من الضرورة اعطاء هذا الموضوع ما يستحق من اهتمام عسكري – دولي كي لا يقال لاحقا ان اميركا قد قبضت ثمن التهويد سلفا من النظام الايراني ومن خلال الاتفاق النووي تحديدا؟!