الطبع يضني صاحبه، فهو لا يستطيع تطويعه أو الخلاص منه، فالطبع يغلب التطبّع، وما على المصاب به الا مداراته اتقاء لشروره…
وطبع غالب اللبنانيين التفكير بآذاتهم، من دون تكبيد عيونهم مشقّة التمحّص والتثبّت والاستدلال والنسيان، آفتهم الثانية، نسيان التجارب والأسيّة والاساءة، والتسليم بكل شيء، وعفا الله عمّا مضى.
هكذا دائما، في كل فصل من فصول أزماتنا، هناك شرارة مجهولة المصدر، وحتى المعلوم منها يتجهّل، ودائما في المجال السياسي تحديدا الضحيّة ملوم والفاعل مجهول، وهذا ينطبق على حال مؤسساتنا مع الفساد، حيث النزاهة تهمة تستوجب النقل من أعلى الى أدنى، ووضع الموظف المناسب في المكان غير المناسب، وجعل السياسيين أربابا للادارات. ولهذا تبقى الكهرباء وصمة عار المتعاقبين على وزارة الطاقة منذ ١٩٩٢، فأين الضمان الاجتماعي اليوم، من ذاك الذي كان في مرحلة التأسيس؟
والتأزم السياسي، يمكن اعتباره كحالات الطقس، آتٍ من الخارج، وبالتالي ليس بالامكان التحكّم به، إلاّ في حالات الصحو الداخلي البالغ، كما نرى في حالة التصدّي لمطامع اسرائيل، بالبلوك التاسع من مياه لبنان النفطية، وهذا ما يقع علاجه على عهدة الأمم المتحدة…
لكن التأزم الداخلي المتصل بحياة الناس كالطاقة والغذاء والهاتف والانترنيت، وكل ما هو جزء من الحياة اليومية للبشر ما هو مبرّر غضّ النظر عنه، وترك مداواته للذي كان هو الداء؟
يقولون الانتخابات شاغلة للجميع، لكن الانتخابات اطلّت رسميا من تاريخ دعوة الهيئات الناخبة، الأسبوع الماضي، فأين كان المداوون قبل ذلك التاريخ، بل أين هم المسؤولون المتحررون عن الرغبات الانتخابية يتحمّلون مسؤولياتهم تجاه القضايا القابلة للعلاج، من دون صفقات بالتراضي أو اختلاق مؤسسات للنفع الخاص على حساب العام؟
ربّ قائل ان الشعب اللبناني، مطبوع على هذا الحال، وانه ذاهب في السادس من أيار الى صناديق الاقتراع ليجدد لقديمه بعدما أصبح كالمضروب بالخلاّط، لفظاعة ما يعاني من ارتجاج دماغ وتوتر أعصاب، لكن الأمل خبز الفقير كما يقولون، وعلى الرجاء يعيش الناس، فلعل وعسى أن يخرج الرؤساء من لقائهم الثلاثي في بعبدا غدا بما يرفع منسوب الطمأنينة للبنانيين الواجفين من تكالب المخاطر…