لم تكن المواجهة الدبلوماسية التي حصلت في مجلس الأمن يوم السبت الفائت بين فرنسا وروسيا مفاجئة. أسقط الفيتو الروسي المشروع الفرنسي الذي تبنّته 56 دولة، من بينها إضافة إلى الولايات المتّحدة وفرنسا وبريطانيا معظم دول أوروبا الغربية والشرقية وتركيا وأربع دول عربية هي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة وقطر والمغرب، والذي يدعو إلى وقف إطلاق النار ووقف الغارات الجويّة وإدخال المساعدات الإنسانية إلى حلب، كما سقط مشروع القرار الروسي الذي لم يحصل سوى على دعم ثلاث من دول المجلس هي الصين وفنزويلا ومصر دونما أن يكون هناك حاجة لاستخدام حق الفيتو من قِبَل الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
المفاجأة كانت بتصويت مصر على القرارين الفرنسي والروسي في ظاهرة لا يُمكن قراءتها، ولا يُمكن الإكتفاء لفهمها بتبرير السفير المصري ذلك بالقول إنّ مأساة السوريين مستمرة وإنّ التصريحات والبيانات في الأمم المتّحدة لا يتجاوز أثرها جدران المبنى. صحيح أنّ الأولويات المصرية ربما لا تتطابق تماماً مع الأولويات الخليجية وهي لا تتطابق بالتأكيد مع المنحى الإسلامي لبعض فصائل المعارضة السورية ولكنّها بالتأكيد تتطابق مع أولويات فصائل عديدة من المعارضة المعتدلة والجيش السوري الحرّ والعديد من الأحزاب والإئتلافات السورية الديمقراطية والتي سبق للقاهرة أن استضافتها لجولات عديدة في معرض البحث عن حلّ سياسي للأزمة السورية، ويُدرك المسؤولون في مصر الخلفيات الفكرية الحداثية للعديد من هؤلاء وتعرضهم للسجن والنفي قبل اندلاع الثورة في سوريا بسنوات عديدة. الأولويات المصرية مهما اختلفت لا يُمكن أن تكون إلاّ أقرب الى الموقف العربي مقارنة مع الأولويات السنغالية والماليزية التي امتنعت عن التصويت على مشروع القرار الروسي، وهي بالطبع لا يجب أن تكون إلاّ أقرب من الأولويات الأميركية والبريطانية والفرنسية التي أجمعت على أنّ روسيا باتت واحدة من الأطراف الأساسيين الذين يمارسون الإرهاب في حلب والتي تستخدم تكتيكات تُنسب إلى الرعاع أكثر مما تُنسب إلى الحكومات. ولا يُمكن في هذا المجال إلا الإشارة إلى ما قاله الرئيس الفرنسي في معرض تعليقه على الفيتو الروسي بأنّه أضحى غير متأكد ما إذا كان سيستقبل نظيره الروسي خلال زيارته المقررة إلى باريس في 19 تشرين الأول، متسائلاً «هل بإمكاننا فعل أي شيء يجعل فلاديمير بوتين يوقف ما يفعله مع نظام الأسد» ومضيفاً أنّه سيطلب من المحكمة الجنائية الدوليّة التحقيق في جرائم الحرب التي تجري في سوريا.
مهما اختلفت الأولويات المصرية فإنّ التصويت المزدوج في أغلب الظن لم يُرضِ فرنسا التي تلتزم رفع القُدرات العسكرية للقوات المصرية وهو لم يرضِ روسيا، ربما بدرجة أقل، التي وقّعت مع مصر إتفاقية لإنشاء أول مفاعل نووي وهو طبعاً لم يرضِ الدول العربية التي تجمع على موقفٍ مغاير. ومن هذا المنطلق، كيف يُمكن فهم الأولويات المصرية؟ فإذا كان ذلك من قُبيل التمسك بالحل السياسي في سوريا الذي يستلزم الحفاظ على وحدة المؤسسات وفي مقدّمتها القوات المسلّحة، فأيّ وحدة لهذه القوات التي تُقام على أرضها القواعد العسكرية وتُستباح أجواؤها، وتتشارك معاركها مع مقاتلين ينتمون إلى عشرات الجنسيات ومن بينهم بالتأكيد مجموعات دينية متطرفة ومرتزقة تستبيح دماء السوريين وسيادة أرضهم ومستقبلهم. كما أنّه يمكن التأكيد على وحدة المؤسسات الأمينة وسواها دون التماهي مع الإجراءات الوحشية ضد المدنيين، فالمعارضون السوريون لا ينادون بتحلّل الدولة وتدمير مؤسساتها ولم يرِد ذلك في أي بيان لهم.
وفي معرض المقارنة بين الأولويات لا بدّ من العودة الى الأمس القريب، إلى ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي في الذكرى الثالثة لثورة 30 يونيو التي أسقطت الرئيس محمد مرسي:«إنّ الثورة أثبتت للعالم أنّ إرادة المصريين لا يُمكن كسرها تلك الثورة التي استعاد بها الشعب المصري هويته»، وأضاف «إنّ الثورة جسّدت إصرار الشعب المصري على تحقيق أهدافه ورسوخ عزيمته على صوّن عزّته وكرامته». في 30 يونيو 2013، أمهل الجيش المصري بقيادة المُشير عبد الفتاح السيسي، الرئيس المُنتخب أحمد مرسي ثماني وأربعين ساعة للتّنحي بعد أن خرجت مظاهرات شعبية تطالب بتنحيته. الجيش المصري الموحّد المحتفظ بسيادته على أرضه وأجوائه ودون أي تدخل أجنبي عزل الرئيس المُنتخب نزولاً عند رغبة وإرادة ملايين المصريين في ساحات القاهرة والإسكندرية وسواها. أفلا يُعبّر الملايين من السوريين الذين يقاتلون في حلب ودمشق وحماه وإدلب، أو الذين أُخرجوا من بيوتهم ومدنهم من ضمن عمليات تغيير ديموغرافي، أو الذين هُجّروا إلى أصقاع الأرض ويعيشون الذل منذ خمس سنوات، عن أولويات توازي أولويات المصريين بضرورة تنحي رئيسهم!!!؟ ومن هذا المنطلق ألا تتطابق أولويات الشعب المصري التي حققها جيشهم الموحّد بقواه الذاتيه مع أولويات الشعب السوري الذي تمنعه جيوش من المرتزقة من تحقيقها!!!؟؟؟.