IMLebanon

اولوية التأليف ومعالجة أسباب الخلل الامني في البقاع  

 

بالتقاطع مع ارتفاع الأصوات في الداخل اللبناني، كما وفي الخارج، داعية الى الاسراع في تأليف «حكومة الوحدة الوطنية» الموسعة، برئاسة الرئيس المكلف سعد الحريري، ترتفع الدعوات لتنفيذ الخطة الامنية – «درجة أولى»، في منطقة البقاع الشمالي – (بعلبك – الهرمل)، بعد حالة «التسيب» غير المسبوقة التي تشهدها المنطقة لأسباب عديدة، وليست بنت اليوم، وهي حالة بنظر العديد من المعنيين نتيجة وسبب في آن واحد..

 

وكما تشدد الدعوات لخروج لبنان من دائرة البلبلة الغامضة التي تحيط بمسألة تأليف الحكومة، وقد تصاعدت التحذيرات من كل «حدب وصوب» من مغبة المضي في وضع العصي في دواليب القطار الحكومي، الذي لم يوضع على السكة السليمة بعد، كما واعتماد منهجية المماطلة والتسويف والابتزاز، بانتظار «الضوء الأخضر» فإن المسألة الامنية في البقاع لم تخرج عن سياق التشدد المطلوب، والذي – في رأي عديدين – لن يعطي النتيجة المتوخاة، إن لم تصاحبه خطة انمائية شاملة..

ثلاثون يوماً مضت على تكليف الرئيس الحريري تشكيل أولى حكومة بعد الانتخات الاخيرة.. وبدل ان يرتفع منسوب التفاؤل في مسار التأليف، فإن الأجواء تتقلب يوماً بعد يوم، بين الايجابي والسلبي، وليس في المعطيات المتوافرة – أقله حتى اليوم –  ما يؤشر الى نقلة نوعية ايجابية قريبة تؤدي الى تذليل العقبات التي تعترض ولادة الحكومة، على رغم كل ما أشيع في الأيام الماضية من أجواء تفاؤلية قد تؤدي الى حلحلة العقد مع عودة الرئيس الحريري من الخارج واستئنافه الاتصالات واللقاءات التي كان وعد بها..

الواضح أن الرؤساء الثلاثة، ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري، يتمسكون بثابتة «حكومة الوحدة الوطنية الموسعة» التي تستوعب الجميع ولا تستثني أحداً من الافرقاء السياسيين.. كل بحسب تمثيله النيابي لكن الطبخة لم توضع على نار تنضجها، بل في برادات التروي والانتظار، خصوصاً مع ارتفاع المطالب بالحصص والحقائب، من قبل البعض وتتوزع بين «الثنائي – الماروني» («التيار الحر» – و»القوات») و»العقد الدرزية الجنبلاطية – الارسلانية» وبين الرئاستين الاولى والثالثة.. وكل يحمل مسؤولية العرقلة والتأخير الى الآخر.. هذا في وقت، أحوج ما يكون لبنان، الى دولة وحكومة ومؤسسات ترعى شؤونه الاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية والتربوية والمعيشية، بل والأمنية حيث الفلتان الامني في العديد من المناطق اللبنانية، بات عنواناً يومياً، على نحو ما يحصل في منطقة البقاع الشمالي (بعلبك – الهرمل)؟! تماماً كما مسألة النازحين السوريين، التي باتت عنواناً يومياً ملازماً لمواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي لا يترك مناسبة إلا ويدفع بهذه المسألة الى واجهة مطالبة الدول المعنية ايلاء هذه المسألة أهمية متقدمة بالنظر لما تتركه من تداعيات سلبية في الواقع اللبناني.. الامر الذي ترك لدى عديدين جملة من الأسئلة والتساؤلات حول الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه الدعوات، في وقت لم تحظ مسألة أمن البقاع بمثل هذه الحماسة..

ليس في متناول الافرقاء كافة، ما يشير، الى ان مسار تأليف الحكومة سيشهد نقلة نوعية، ان لم يحسم هؤلاء أمرهم ويقررون رفع عصي العرقلة، والعودة عن سياسة رفع منسوب المطالب، والمراوحة السلبية التي دخل فيها البلد لحسابات متعددة، وقد كشف الجميع أوراق مطالبهم لناحية التمثيل ونوعية الحقائب التي يتمسك بها هذا الفريق او ذاك.. الامر الذي دفع بالرئيس نبيه بري الى الخروج عن صمته الذي طال، وعاد يصارح من يلتقيهم بأنه «في مرحلة البؤس، والبأس» بما يصفه بـ»التأخير غير المبرر في تشكيل الحكومة العتيدة.. وراح بعيداً في اعلان غضبه مما وصفه «اهمال الدولة المتعمد لما يجري في منطقة البقاع» وتحديداً بعلبك – الهرمل..

في قناعة عديدين من المتابعين، ان ما يجري في منطقة بعلبك – الهرمل ليس جديداً،  ولا هو ابن اليوم او البارحة، بل هو امتداد لسياسة الاهمال التي طاولت هذه المنطقة وأهلها، منذ ستينات وسبعينات القرن الماضي.. وكثيرون يذكرون كيف تعاملت «الدولية العلية» مع هذه المنطقة، عندما قام الطيران الحربي اللبناني بقصف ما سمي بـ»مواقع الطفار في جرود الهرمل..»؟!

لقد لازمت سياسة الاهمال وادارة الظهر الادارات الرسمية ازاء هذه المنطقة، التي لا مصدر رزق أساسيا لأهلها إلا الزراعة.. على رغم ما تحفل به من مواقع سياحية بالغة الأهمية، والجميع يذكر مهرجانات بعلبك السياحية، الموسمية التي باتت في «خبر كان..».

صنفت المنطقة بأنها المورد الأساسي لزراعة الحشيش وغيره من المخدرات، وبات كل مواطن من أبناء تلك المنطقة «متهماً حتى تثبت براءته» و»هيهات هيهات» ومن أسف، فإن امساك «حزب الله» و»أمل» بقرار المنطقة السياسي، لم يوفر لها حقوقها، بل ساعد، من ناحية او أخرى، في تعزيز «سياسة ادارة الظهر» و»التقاعس في ايجاد الحلول اللائقة والمشروعة والمطلوبة لانقاذ المنطقة واعادتها الى كنف الدولة العادلة والقادرة والمانعة.» كما وأعاده أهاليها من بؤر الحرمان والفوضى والبؤس والفقر في ضواحي بيروت الى مناطقهم «ليعيشوا العيشة اللائقة بأي إنسان»..

من أسف ان يبادر البعض الى تقديم الغطاء السياسي لعمليات عسكرية وأمنية وينأى بنفسه عن القيام بأبسط المطلوب لإنقاذ هذه المنطقة وأهلها التي قدمت خيرة شبابها دفاعاً عن لبنان.. الذي، وان كان يعيش واقعاً مؤلمماً على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وينتظر فك اسر الحكومة العتيدة، يبقى هو الرجاء والأمل في ان يكف عن التعامل مع هذه المنطقة، كما مع العديد من المناطق في شمال لبنان، على أنها «قطعة أرض خارج لبنان الدولة..»؟!