تثبُّت قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان من ادعاءات إسرائيل بحفر «حزب الله» أنفاقا من الأراضي اللبنانية نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة، قد يتحول نقطة تسجلها الدولة العبرية على السلطات اللبنانية في الدرجة الأولى، ممهورة هذه المرة بشهادة المنظمة الدولية.
فالمسؤولون اللبنانيون استخدموا أسلوب رد التهمة الإسرائيلية للحزب في الأيام الماضية، في سياق موقف ديبلوماسي دفاعي تقليدي يتوخى رد أي تهديد للبنان، إلى العدوانية الإسرائيلية لأن الدول المعنية تعرف أن لبنان تعرض لها على مدى عقود. وهو لذلك يذكّر حيال أي شكوى إسرائيلية، بالخروق الجوية والبحرية والبرية للقرار الدولي الرقم 1701 من قبل الدولة العبرية، والتي تحصى بالمئات في التقرير الذي يرفعه الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن كل 4 أشهر، عن تنفيذ القرار. يرفق لبنان ذلك بشكوى مقابلة كالتي طلبت الخارجية رفعها أول من أمس عن «تعدي إسرائيل على شبكة الاتصالات، عبر خرقها خطوط الهاتف وإرسال رسائل مسجلة الى أهالي كفركلا المدنيين الآمنين»،… إنها اللعبة الديبلوماسية.
لعل رئيس الحكومة سعد الحريري استبق ليل الأربعاء احتمال تأكيد وجود نفق من كفركلا إلى الأراضي الفلسطينية، مع ما يرتبه ذلك من إضعاف موقف لبنان أمام المجتمع الدولي، فأعلن «حرص الحكومة على التزاماتها تجاه سيادتها وسلامة حدوها، وتأكيدها على عدم خرق القواعد القائمة» وفقاً للقرار الدولي. مع تذكيره «حزب الله» من دون أن يسميه ب «القواعد»، والمجتمع الدولي بأن «الجيش اللبناني هو المعني بتأمين سلامة الحدود». لم يكن بداً للحريري إلا أن يشير إلى خرق إسرائيل «للقواعد».
مشكلة السلطة اللبنانية هذه المرة أن هناك نفقا آخر، سياسيا إضافة إلى العسكري، حفره لها «حزب الله»، هو تعطيل الحكومة، الذي يضعف حجتها في خضم لعبة تغيير القواعد على الصعيد الإقليمي. مقابل تصاعد العقوبات على إيران لإضعاف أذرعها الإقليمية ومنها الحزب، يعتبر الأخير مع طهران أن بإمكانهما الرد على الحصار الأميركي، وعلى الضربات الإسرائيلية في سورية، في كل من العراق ولبنان وبلاد الشام بالوسائل السياسية، والعسكرية إذا تطلب الأمر. لا حرج لدى «الحرس الثوري» في أن تدفع الدول الثلاث ثمن الضغط الإميركي، بدءا بمصادرة القرار فيها أو بتعطيله إذا تعذرت السيطرة عليه. وإذا كان النفوذ الروسي في سورية يضيّق هامش اللعبة هناك، فإن إدخال العراق ولبنان في أنفاق التعطيل، يحول دون تركيبة متوازنة للحكم يمكن أن يكون لواشنطن كلمة فيها.
هدف الكشف عن الأنفاق العسكرية الممتدة إلى إسرائيل تعطيل الذهاب إلى الخيار العسكري بعد اشتداد الحصار. فواشنطن تعتقد بأن مفاعيل العقوبات ستظهر بعد 6 أشهر، وتأمل خلالها إضعاف أوراق إيران في المنطقة تمهيدا لجرها إلى التفاوض على مطالبها منها. وتجريدها من أوراق عسكرية يساعدها في حملتها التي تشمل إصرارها على الحل السياسي في اليمن.
كشف بنيامين نتانياهو عن الأنفاق العسكرية من لبنان الآن، على رغم أنه على علم بها منذ زهاء سنة ونصف السنة، كما قالت صحيفة «نيويورك تايمز» قبل 3 أيام، ولم يبدأ تنفيذ خطة «درع الشمال» إلا الأربعاء الماضي على رغم أن القرار فيها اتخذ قبل شهر في الحكومة الإسرائيلية المصغرة. فالتوقيت يخدم الهدف السياسي، في ظل التطمينات بأن العملية لا تتوخى أي تصعيد عسكري، وأن لا إسرائيل ولا الحزب يريدان هذا النوع من المواجهة، خصوصا أن الصحيفة الأميركية نقلت عن الإسرائيليين اعترافهم بأنه لم يتم وضع نفق كفركلا قيد العمل بعد. وقد لا يكون بعيدا من الحقيقة أن بنيامين نتانياهو يستفيد، في سياق تجريد إيران من ورقة عسكرية، من العملية، لصرف الأنظار عن ملاحقته القضائية.
الحزب (ومعه إيران)، منشغل بفتح نفق داخل القرار السياسي السني، ويسعى إلى فتح نفق سياسي داخل الطائفة الدرزية على رغم صعوبة ذلك، وأربك حلفاءه المسيحيين، في سياق تجميع الأوراق لمقاومة الحصار. المفارقة أنه سيترك للسلطة اللبنانية والحكومة المستقيلة المواجهة الديبلوماسية والسياسية مع الجانب الإسرائيلي ومع المجتمع الدولي، في التعاطي مع أضرار النفق العسكري الذي حفره. همه الراهن الإمساك بتركيبة السلطة ولو كان ذلك عن طريق منع قيام حكومة جديدة إلى أجل غير مسمى، لإثبات نفوذه وسطوته في لبنان وعدد من الدول، حيث يسعى الأميركيون للحد من تأثيره فيها.
أدخل «حزب الله» لبنان في نفق سياسي أشد تعقيدا وتعرجا من النفق العسكري، في ظل أزمته الاقتصادية. لكن دخوله هذا النفق يكسر قواعد اللعبة اللبنانية، ليؤسس لخصومات عميقة أشد ضررا عليه.