IMLebanon

الإنقاذ والقطاع الخاص

 

في لبنان اليوم اقتصادان، الأول يخدم السياسيين والمسؤولين في القطاع العام وله شروطه ومقوماته وعالمه، وآخر حقيقي يعيش داخله بقية المجتمع أي أكثرية السكان. للأسف لا يمكن للاقتصاد الثاني أن يقوم بكل المهمات الوطنية المطلوبة، فالدولة تحتاج الى قطاع عام مثلا للقيام باللقاحات. فهل القطاع الخاص قادر على الحلول مكان العام؟  كذلك الأمر في قطاع النقل والبنية التحتية من اتصالات وطرق وغيرها. نحتاج في كل الدول الى قطاع عام فاعل لا يضربه الفساد وسوء الاداء كما يحصل اليوم في لبنان  انتاجية القطاع العام ضعيفة ان لم تكن سلبية. هنا تكمن أهمية وجود قطاع خاص فاعل ومنتج يحدث النمو في الاقتصاد.

 

انقاذ لبنان يقع في مصلحة الجميع حتى السياسيين الحاليين. لذا لا يجب أن يعارضوا التغيير الذي يصب في مصلحة أولادهم وأولاد الآخرين. هنالك وقت حتى آخر 2022 حتى يتم هذا التغيير النوعي بهدوء عبر الانتخابات القادمة. لا أعتقد انني أحلم، بل أعتقد انني مؤمن بلبنان واللبنانيين. لا قيمة لأي مركز عام أو خاص في لبنان في ظروف كالتي نعيش فيها. استرداد الأموال المنهوبة والمحاسبة الكاملة يتمان لاحقا في ظروف هدوء سياسي وضمن القوانين. هنالك دور كبير للمسؤولين السياسيين الحاليين وللاداريين في القطاع العام في تأمين استمرارية المؤسسات من قضاء وسلطات عامة. هنالك أيضا دور كبير للقطاع الخاص مسؤولين وموظفين وعمال في تأمين الاستمرارية بالجدية والانتاجية التاريخية.

 

ما المطلوب من القطاع الخاص؟  الحفاظ على الانتاجية حتى في الظروف السوداء التي نعيش فيها. الانتاجية ليست كل شيء اليوم، لكنها تصبح كل شيء تقريبا على المدى الطويل. الانتاجية أو انتاج العامل الواحد يساهم في رفع مستوى المعيشة العام مع الوقت. للحفاظ على مستوى الانتاجية أو زيادته اذا أمكن، يجب أن يكون العمال مطمئنين الى مستقبلهم. يجب أن يكون العمال مرتاحين الى وضعهم الذي يحافظون عليه طبعا مع الجهد والجدية والولاء للمؤسسة أو الشركة التي يعملون فيها. الأوقات الصعبة تصيب العمال والفقراء دائما أكثر بكثير من غيرهم.

 

ما هي العوامل التي تؤثر على الانتاجية اليوم والتي يجب الاهتمام بها ليس فقط لتخفيف الخسائر وانما أيضا لتقوية فرص النهوض المستقبلي؟ نحتاج عمليا الى ثورة فكرية في كافة مستويات الاقتصاد وفي طرق العمل والحياة كي نجتاز هذه الفترة الصعبة بنجاح. نحتاج الى تغييرات كبيرة في الاداء على كل المستويات أي في القطاع العام وادارة الشركات والمؤسسات كما مع العمال والموظفين وأخيرا مع المستهلكين والزبائن.

 

أولا: اعتماد التكنولوجيا الجديدة وليس بالضرورة المكلفة وكل شيء متوافر.  التكنولوجيا ليست صناعية فقط بل محاسبية وادارية وتسويقية ونحن متأخرون في لبنان فيها. للشركات الصغيرة دور كبير في استمرارية الاقتصاد، ولبنان ليس الدولة الوحيدة التي أكثرية شركاته صغيرة. في الولايات المتحدة، 54% من الشركات لديها بين عامل وأربعة و74% لديها بين عامل وتسعة. المطلوبة النوعية في الاداء تجاه المجتمع.

 

ثانيا: تنظيم العمل بشكل أفضل عبر التواجد في الشركة أو في المنزل بسبب الكوفيد 19 وتبعا للمصلحة. هنالك شركات عالمية اليوم بدأت توظف أشخاصا سيعملون بشكل دائم عن بعد حتى بعد انتهاء الفيروس. المطلوب مرونة في العمل والادارة تبعا لطبيعة العمل والانتاج، لكن المرونة هي عقلية وفكرية قبل كل شيء.

 

ثالثا: التركيز على النوعية التي نقولها صراحة فقدنا قسما كبيرا منها في لبنان.  نعيش في بلد صغير لا يمكن أن يغتني الا عبر اعتماد النوعية العالية في انتاج السلع والخدمات بكافة أشكالها المالية والتعليمية والصحية وغيرها. هل ذهبت «سويسرا الشرق» دون رجعة؟

 

رابعا:  التنبه للعوامل الديموغرافية التي تزداد خطورة في لبنان مع هجرة المتخصصين والشباب والشابات ومع الرغبة المتزايدة في الهجرة. هذا التغيير الديموغرافي يرفع نسبة المسنين في الاقتصاد وبالتالي يزداد الحمل على العاملين وتصبح مهمتهم شاقة أكثر.

 

خامسا: الادارة العصرية الجيدة المرنة وهنا التحدي الكبير، اذ ان ثقافة الادارة الحديثة ما زالت قليلة في لبنان أي محصورة في شركات ومؤسسات محدودة أقله نسبة لتحدياتنا الكبيرة. نحتاج الى ادارات كفوءة حيث لا يمكن تحميل العمال والموظفين دائما الأخطاء أو التقصير الذي يحصل. يجب أن تكون هنالك شجاعة عند رؤساء الشركات وأصحابها كي يتحملوا المسؤولية.

 

كفاءة الادارة ليست سهلة والرؤية البعيدة الأمد في الادارة قليلة في لبنان. الوضوح في طرق التنفيذ ضبابية وبالتالي مصادر سوء الاداء موزعة في الشركات والمؤسسات ولا تنحصر في الموظفين والعمال. تحتاج الشركات والمؤسسات الى تجديد نفسها دوريا قبل الانتقال الى أجيال جديدة، لأن العالم يتغير ونرى أننا ثابتون وهذا مضر. فترة اليوم ضرورية لمراجعة النفس والتحضير للمستقبلين القريب والبعيد. الشركات والمؤسسات تتغير وتتعلم وتتأقلم مع الخارج ولها أدوار في المجتمع تتغير أيضا تبعا لحاجات المجتمع في السراء والضراء.

 

أهداف مديري الشركات والمؤسسات يجب أن تكون الحفاظ على دورها وصحتها وأن لا تكون المنافع المادية هي الأساس كما يحصل في لبنان. كمستهلكين يجب أن تكون لنا القدرة على التمييز بين الشركة والمؤسسة الجيدة وعكسيهما، وبالتالي يجب أن نشجع من يقوم بواجباته تجاه مؤسساته وشركاته كما تجاه المجتمع. الشركة والمؤسسة الناجحة هي التي تكون كذلك ليس فقط تجاه موظفيها وعمالها، بل أيضا تكون صادقة تجاه المستهلكين ومستعملي خدماتها. الادارة التي تنظر للمدى البعيد هي الادارة الناجحة التي تستمر وتكون في خدمة نفسها والمجتمع. أما المردودان المالي والاقتصادي فيحصلان حتما مع الوقت وينوه بهما.

 

لا يمكن ترك الأسواق تعمل من دون رقابة اذ تنتج احتكارات وظلم تجاه الموظف والعامل كما تجاه المستهلك. في لبنان لا نطبق قوانين المنافسة والحرية الاقتصادية كما يجب حماية للناس، والأدلة على الأرض تؤكد ذلك. هنالك في لبنان نقص في المعلومات والاحصائيات العامة ليس فقط تقصيرا، وانما ذلك مقصودا كي يتمكن الفاسد من الاستمرار في ابتزازه للمواطن والعامل والموظف. هنالك مشكلة أخلاق واضحة تزداد مع الوقت في زمن الشدة والصعوبات. الفساد يظلم كل الناس لكن أكبر الخاسرين هم مؤكدا الفقراء، فمن يهتم بذلك في لبنان؟ الرقابة ضعيفة ليس فقط بسبب قلة المراقبين وانما خاصة بسبب عدم الرغبة أو حتى عدم الاقتناع بالرقابة من قبل مسؤولي الدولة، وهنا الخطورة المؤكدة. ضعف الرقابة ينتج فجوات كبيرة في المجتمع وبالتالي يزداد الفقراء بؤسا.