في لبنان تخمة شعارات معظمها لا صدى له، لا يحرك الناس، ولا يصل الى ضمائرهم، ولا يقضّ مضاجعهم. كبيرة هي شكوى الناس من الوضع الراهن، لكن ارتخاء هؤلاء امام القضايا الاساسية التي تدمر البلد شيئا فشيئا هو الغالب. فكم نسمع في طول البلاد وعرضها الكلام نفسه، والشعارات عينها، ومعها شكوى وشتائم بحق هذا او ذاك من السياسيين، وصولا الى اختراع تسمية “الطبقة السياسية” لرميها صبح مساء دفعة واحدة بكلام كبير من نوع انها هي المسؤولة عن مصائب البلاد كلها. ويذهب كثيرون عن قصد او عن غير قصد الى التمييز بين ما يسمى “طبقة سياسية” الموسومة بـ”النذالة” و”الجيش” الذي تلصق به كل الاوصاف الحميدة. أكثر من ذلك، يثور شباب ضد قيام مجلس النواب بالتمديد لنفسه سنتين وسبعة أشهر.
لست نائبا ولا يعنيني العمل النيابي في تركيبة سياسية كهذه. لكني ارى في “ثورة” المعترضين على التمديد انفصاما عن الواقع الذي تعانيه البلاد.
فيما كنت اصل الى مكتبي في مبنى “النهار” صباح الاربعاء (يوم جلسة التمديد) قطع عليّ الطريق عدد من الشبان لرؤيتهم زجاج السيارة الداكن، ظنا منهم اني نائب آتٍ الى جلسة التمديد. فتحت النافذة بسرعة متفاديا تلقي رشقة بيض على السيارة. وطلبت من السائق ان يتوقف لأتحدث معهم. قال لي احدهم: “فكرناك نائب وكنا رح نرشق البيض عليك”.
قلت: ولمَ كل هذا التعب؟
اجاب: إنهم يسرقون أصواتنا. أريد حقي في التصويت.
قلت: هل ينفع صوتك في ظل قوانين لن تغير في شيء؟ وأصلاً الوضع الامني لا يسمح بإنتخابات نيابية.
قال: انا لا يعجبني قانون العقوبات، فهل أقتل تعبيراً عن رفضي له؟
قلت: أنت في المكان الخطأ عزيزي. انت تعرف ان البلاد يحكمها خمسة او ستة على الأكثر. واثنان منهم يعطّلان انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وواحد منهم يدمّر المؤسسات وينسف التركيبة، ويحمل سلاحا غير شرعي. لماذا لا تتوجه الى منازل هؤلاء مباشرة وتحاصرها بدل الوقوف هنا؟
اضفت: لا تبتعد كثيراً… أنت وصحبك. ثمة مرافق في البلد هي قمة الفساد والسرقة والنهب، واهمها المرفأ خلفك. انزلوا وحاصروا المرفأ وطالبوا بوقف التهريب تحت مسميات “الجهاد” و”المقاومة”، الى ما هنالك من شعارات.
و فيما اقترب منا جنود مولجون تأمين الطريق، أنهيت قائلا: المشكلة ليست في التمديد السيئ بل في الخنوع الأسوأ أمام قضايا أساسية تدمر مستقبلكم، وأنتم لاهون بالقشور. ومع ذلك أنا أيضاً ضد التمديد في المبدأ.