على قاعدة «خالف تعرف» يمضي رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» (الجنرال السابق) النائب الممدد له، ميشال عون، في مخاطبة «مناصريه»، وهو على قناعة بأن السير «عكس التيار» كفيل بأن يحفظ له ما تبقى من جمهور ومناصرين ومؤيدين، في ظل ظروف خارجية وداخلية – لبنانية، وتعقيدات غير مسبوقة…
وهو يدعو أنصاره الى «تجهيز سواعدهم» سريعاً يستحضر «حرب الالغاء» او «حرب توحيد البندقية»، وراح بعيداً في ارسال «الرسائل المشفرة» للقريب قبل البعيد، و»للحليف» قبل الخصم…
مشكلة «جنرال الرابية» أنه، وعلى مدى تاريخه العسكري والسياسي لم يتمكن من الوصول الى حيث يريد، وتاريخه مثقل بالفشل، الى ان كانت 14 آذار مناسبة، أصر على أنه هو «الأب الروحي» ومالكها الحقيقي… و»الآخرون سرقوها منه ونسبوها الى أنفسهم»…
لم يكن وقع كلمة «الجنرال» في حفل عشاء «الحبتور» بذكرى 14 آذار، مريحاً، لا على «حلفائه» او من يقعون في خانة «الحلفاء» ولا على خصومه السياسيين من البيئة الشعبية عينها التي يدعي أنه «سيدها» و»مرجعها» وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة فيها، وهو يصارع الجميع، بلا استثناء من أجل ان يحافظ على هذا «المكون» وجوداً وفعالية ودوراً وحقوقاً؟!.
لفت أحد النافذين في الفريق المفترض ان يكون حليفاً للجنرال، الى ان «الجنرال البرتقالي» يثبت يوماً بعد يوم، أنه الأقدر على خسارة الفرص والشعبية، وان قراءة دقيقة لما جاء في كلمته، يظهر ان الرجل يعيش «الناقض والمنقوض» في آن واحد… وهو إذ يقدم نفسه «علمانيا» (بمعنى أنه غير طائفي او غير مذهبي)، فإنه لم يتمكن من استحضار موقف واحد يشير الى ذلك، وهو في كل خطاباته ودعواته ومواقفه، يتمترس وراء «المارونية السياسية» – كما يراها هو – ويصوب سهامه باتجاه سائر الآخرين… ويعمل طاقته لتحريك «المخاوف المسيحية»، محذراً من ان المسيحيين في لبنان باتوا في وضع لا يحسدون عليه، بل في وضع خطير، وهم الذين كانوا قبل الطائف أسياد الكلمة وأسياد القرار… غير عابىء بخطورة هذه التوصيفات واستحضار المراحل السابقة خصوصاً ما جرى في العام 1990.
يسأل عديدون أي معنى يبقى لـ«العلمانية» التي ينطق بها الجنرال عون، وأية صدقية للاطائفية «تياره الوطني»، وهو لا يترك مناسبة صغيرة او كبيرة، إلا ويستحضر «التخويف المسيحي» مادة في معاركه الشخصية، وكيف يكون لا طائفي وهو يتمسك بقانون انتخابات – ليس على قاعدة الوطنية، ولا على قاعدة المواطنة وليكون لبنان بكافة مكوناته دائرة انتخابية واحدة، تسهل الانصهار الوطني، بل بقانون يقوم على «المناصفة» بين المسيحيين والمسلمين؟! او الفصل بين المسيحيين والمسلمين، حيث يمنع على المسلم المشاركة في اختيار النائب او الرئيس المسيحي، ويمنع على المسيحي المشاركة في اختيار النائب او رئيس الحكومة او رئيس مجلس النواب من الطوائف الاسلامية؟؟
من حق الجنرال عون ان يسأل نفسه عمن «سرق» منه ١٤ آذار، وسائر الشعارات وسموا أنفسهم ١٤ آذار، وهو منذ زمن لم يعد محسوباً عليها…
لم يرقَ خطاب جنرال الرابية الى مستوى المسؤولية التي يتطلع اليها اللبنانيون الذين يتساءلون ما جدوى ان يهاجم الجنرال التمديد مرتين لمجلس النواب، وينفي أية شرعية عن هذا المجلس، وهو أحد مكوناته الرئيسية ويفاخر بأن له أكبر كتلة نيابية مسيحية، ولا يقدم استقالته احتجاجاً، او على الأقل انسجاماً مع قوله ان مجلس النواب لا يكتسب شرعية قانونية او دستورية؟!
ثم ألا يسأل الجنرال عون نفسه، كيف يطلب من مجلس نيابي فاقد الشرعية ان ينتخبه رئيساً للجمهورية، وقد بالغ في التعطيل لأن موازين القوى في البرلمان لا تصب في صالحه؟!
صحيح ان رئيس الجمهورية في لبنان هو «ماروني»، لكنه ليس رئيس الموارنة، بل هو رئيس جمهورية كل لبنان، بكامل مكوناته، ولا يحق للجنرال ان يعتمد مقاييس اختيار رئيس مجلس النواب او رئيس الحكومة، ليرمي الحجر على رئيس للجمهورية قد لا ينال غالبية الأصوات من النواب المسيحيين.
يعتقد المرجع السياسي اياه، ان الجنرال عون لا يملك قرار نفسه، وهو يتطلع الى ما يجري في المحيط الاقليمي، ويرسل الرسائل في أكثر من اتجاه، من غير ان يصل الى مرحلة «القطع النهائي» مع مرحلة واعادة التواصل مع مراحل أخرى… لكن ذلك، شكل دافعاً لدى كثيرين لعدم الطمأنينة… لاسيما وان «الحوار الوطني» لايزال قائماً، والرئيس نبيه بري يدفع باتجاه المضي في الحوار من أجل التوصل الى «التوافق المطلوب» حول شخص الرئيس ومواصفاته… ويتساءل: كيف يكون أحدنا مع الشرعية في مكان وضد الشرعية في مكان؟! واذا كان الجنرال عون واثقاً من نفسه ومن قدراته ومن حجمه الشعبي والنيابي، فليتفضل وينزل الى مجلس النواب حيث ستكون كلمة الفصل هناك… فرئيس الجمهورية – أقله حتى الآن – ينتخبه مجلس النواب، ولا ينتخب عبر الموائد العامرة بالأطايب… وأي اصلاح حقيقي منشود يكون عبر السلطة التشريعية، لا عبر الخطابات ومن فوق المنابر وبكلام ظاهره «إصلاحي» ومضمونه افتراء على الاصلاح وتعزيز للانقسامات العمودية التي لم تجلب على لبنان سوى البلاء؟!